ابن منظور، مؤلف لسان العرب.(أرشيف)
ابن منظور، مؤلف لسان العرب.(أرشيف)
الأربعاء 22 أغسطس 2018 / 20:07

الموسوعات العربية

ثالث الموسوعات من حيث التاريخ، وأوفرها شهرةً، وأكثرها حظاً من حيث احتفال الأدباء والدارسين بها، هي موسوعة "مسالك الأبصار في ممالك الأمصار"، لشهاب الدين أحمد بن يحيى بن فضل الله القرشي العمري

إن أول موسوعة من الناحية التاريخية، هي موسوعة "لسان العرب"، لجمال الدين أبي الفضل محمد بن علي المصري، المشهور بابن منظور الذي عاش بين سنتي (633- 711 هجرياً). أنجز ابن منظور أكبر وأغنى قاموس عرفته اللغة العربية، وهو يحتوي على ثمانين ألف مادة، ضمها عشرون مجلداً، بحروف المطبعة الحديثة، ولا يزال هذا القاموس في مقدمة ما يرد على الذهن من مراجع لغوية، إذا احتاج الباحث إلى الكشف عن كلمة غمضت عليه، أو استبهم أمرها، واستعصى فهمها. إن الشمول الذي يتصف به ابن منظور في "لسان العرب"، والصواب الذي يلازمه في كل مواده، والفيض الذي يترع دفتيه، ليس وليد مصادفة، وإنما هو حصاد عمل موصول، وثمرة كد لا يعرف الملل، ذلك أن الرجل ما ترك مصدراً سابقاً إلا استشاره، وفي مقدمة المصادر، "التهذيب" للأزهري، و"الصحاح" للجوهري، و"المحكم"، و"المخصص" لابن سيده. أيضاً اختصر ابن منظور "الحيوان" للجاحظ، و"تاريخ دمشق" لابن عساكر، و"الذخيرة في محاسن الجزيرة" لابن سنام، و"الأغاني" للأصبهاني. تلك الكتب التي اختصرها، لم ينل من جوهرها، أو قلل من فرصة الانتفاع بها، بل قدمها ميسرة خالية مما لا يهتم له أكثر القراء، من حشو وأسانيد وعنعنات.

ثاني الموسوعات، هي "نهاية الأرب في فنون العرب"، لأحمد بن عبد الوهاب القرشي التيمي البكري المصري، المعروف بالنويري، والمولود في قرية نويره ببني سويف، أسفل صعيد مصر. عاش النويري ومات بين سنتي (677- 733 هجرياً). يذكر النويري في مقدمة موسوعته، أنه اشتغل بالكتابة في ديوان الناصر محمد ابن قلاوون، ثم تقلد بعد ذلك مناصب أخرى في الدولة، ومن هذه الوظائف، هي قيادته إحدى فرق جيوش المسلمين التي تمركزت في كل أنحاء الإقليم الشمالي من المملكة المصرية الشامية، ثم ما لبث أن تخلى عن ذلك كله، وتفرغ لكتابة "نهاية الأرب". موسوعة النويري شأن كل موسوعة، تضم ألواناً من المعرفة، وأشتاتاً من الأخبار، وموضوعات من الأدب، وقضايا من التاريخ، ونماذج من أنظمة الحكم. ويبدو أن النويري كان متأثراً في منهجه واستطراده وطريقة عرض شواهده، بمنهج الجاحظ في كتاب "الحيوان"، ومنهج ابن قتيبة في كتاب "عيون الأخبار"، ولعل منهج الجاحظ أبين وأوضح، وهو يعترف بذلك في مقدمته، بقوله: وما أوردت فيه إلا ما غلب على ظني أن النفوس تميل إليه، وأن الخواطر تشتمل عليه، وقد تتبعت فيه آثار الفضلاء قبلي، وسلكت منهجهم، فوصلت بحبالهم حبلي.

ثالث الموسوعات من حيث التاريخ، وأوفرها شهرةً، وأكثرها حظاً من حيث احتفال الأدباء والدارسين بها، هي موسوعة "مسالك الأبصار في ممالك الأمصار"، لشهاب الدين أحمد بن يحيى بن فضل الله القرشي العمري الذي عاش بين سنتي (700- 749 هجرياً)، والذي شغل وظيفة رئيس ديوان الإنشاء التي تعتبر في زمننا مساوية لوظيفة رئيس الوزراء. يشرح العمري منهج كتابه في مقدمته، رابطاً بين المنهج والعنوان، حين يقول: إنه قسمان، أولهما في الأرض، وثانيهما في سكان الأرض، والقسم الأول منهما، أي الأرض، على نوعين، أولهما المسالك، وثانيهما الممالك. ويمضي العمري قائلاً: لم أذكر عجيبة حتى فحصت عنها، ولا غريبة حتى ذكرت الناقل عنها، لتكون عهدتها عليه، ولم أنقل إلا عن الأعيان الثقات، من ذوي التدقيق في النظر، والتحقيق في الرواية.

رابع الموسوعات، هي موسوعة تقي الدين أحمد بن علي المقريزي، المعروفة باسم "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار".
 المقريزي القاهري المولد والوفاة، الذي عاش بين سنتي (766- 845 هجرياً)، اشتغل الجانب الأكبر من حياته بعلم التاريخ. المقريزي إن لم يكن مؤرخ مصر الأول، وعمدة مؤرخيها، فإنه دون شك بموسوعته "الخطط"، يقف في الصف الأول بين مؤرخيها، بل في الصف الأول بين المؤرخين المسلمين. خطط المقريزي من الدقة والتفصيل والإفاضة والوقوف عند منحنيات التاريخ، فيما دق منها، وفيما عظم، أمر مسلم به، لكن أيضاً موسوعة المقريزي، أفسحت في صفحاتها للمعرفة، مكاناً، فهي مصدر هام له وزنه في دراسة الجغرافيا المصرية، والاقتصاد السياسي بلغة زمننا.

خامس مؤلف للموسوعات، هو ابن حجر العسقلاني، ولد ابن حجر ومات في القاهرة بين سنتي (773- 852 هجرياً)، وعاصر المقريزي، لكن العسقلاني كان حليف أسفار، كثير الارتحال. نال ابن حجر شهرة فاقتْ شهرة المقريزي. من أشهر موسوعات ابن حجر "تهذيب التهذيب"، وتقع في اثني عشر مجلداً، و"لسان الميزان"، ويقع في ستة مجلدات، ولابن حجر كتاباه المشهوران "الإصابة في تمييز الصحابة"، و"فتح الباري في شرح حديث البخاري". إن هناك شبهاً كبيراً في منهج كل من المقريزي وابن حجر، من حيث طريقة التأليف، وإن كان المقريزي تميز بالخطط وعلم التاريخ، في حين تميز ابن حجر بالتراجم وعلم الحديث.