وزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني (أرشيف)
وزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني (أرشيف)
الأربعاء 29 أغسطس 2018 / 20:48

عن الأيام الأوروبية الكالحة

اللقاء الوشيك المرتقب بين وزير الداخلية الإيطالي، النجم الصاعد لليمين الأوروبي، ماتيو سالفيني، ورئيس حكومة هنغاريا، الزعيم الشعبوي فيكتور أوربان، لن يكون واحداً من الأحداث العادية. يزيد في أهميته أنه يأتي بعد اجتماع ضم رئيس حكومة إيطاليا جوسيبي كونتي ورئيس حكومة تشيكيا أندريه بابيس.

عيش، للمرّة الأولى بعد انتهاء الحرب الباردة، قيام حلف سياسيّ كبير بين بلدان في غرب أوروبا وبلدان في شرقها، حلفٍ يناهض الديمقراطيّة الليبراليّة كما تمارَس في غرب أوروبا، بدل مساندتها وتعزيزها

المذكورون كلهم مشهود لهم بأمرين اثنين: أنهم ألد الأعداء للمهاجرين واللاجئين إلى أوروبا عموماً، وإلى بلدانهم خصوصاً، يبلورون سياستهم وتعبئتهم الجماهيرية حول هذا الموضوع، وأنهم شديدو التحفظ على الاتحاد الأوروبي وقوانينه والتزاماته القانونية والأخلاقية حيال حقوق الإنسان.
  
هكذا رجح بعض المراقبين الغربيين أن يكون لقاء أوربان – سالفيني تمهيداً لإعلانات ثلاثة كبرى تتعدى آثارها نطاق القارة الأوروبية إلى العالم:

- أولاً، تشكيل الكتلة القويّة المؤيّدة لروسيا ولرئيسها فلاديمير بوتين داخل الاتحاد الأوروبي، والتي قد تشمل النمسا في عهدها الجديد.

- ثانياً، تنسيق نشاط الأحزاب الشعبوية في أوروبا تمهيداً لخوض معركة الانتخابات النيابية الأوروبية المقررة في العام المقبل، والتي يُرجح أن تكون مواجهة مفتوحة بين الخط القومي – الشعبوي وخطّ الديمقراطية الليبرالية.

- وثالثاً، إنذار الاتحاد الأوروبي نفسه، باسم دوله القومية، بأن معارضي توجهاته، من داخله، ليسوا أطرافاً بلا أنياب. ومن المعروف أنّ أكثر ما وتر العلاقات بين الاتحاد والسياسيين الهنغاري والإيطالي أعمال وحشية حيال اللاجئين شهدها بلداهما في عهديهما.

ما قد يكون أبعد من هذا كله أننا نعيش، للمرة الأولى بعد انتهاء الحرب الباردة، قيام حلف سياسي كبير بين بلدان في غرب أوروبا وبلدان في شرقها، حلفٍ يناهض الديمقراطية الليبرالية كما تمارَس في غرب أوروبا، بدل مساندتها وتعزيزها.

ليس هذا فحسب، إذ بعدما كان السياسي الأوروبي الغربي هو مَن يطمح الأوروبيون الشرقيون، في عهد أنظمتهم التوتاليتاريّة، إلى تقليده، نرى المعايير تنقلب اليوم انقلاباً كاملاً: فقد بات إعجاب سالفيني الإيطالي بأوربان الهنغاري، وطبعاً بفلاديمير بوتين الروسي، من ألفباء المعطيات السياسية الأوروبية الراهنة.

وليس بخبرٍ باعث على الأمل والتفاؤل إطلاقاً أن تنتقل قيادة القارة إلى جناحها الأكثر احتقاناً والأقل عراقة في الحياة السياسية والتقاليد الديمقراطية، أي وسطها وشرقها.

إن الوجه الآخر لتلك المستجدات هو ما رأيناه قبل أيام قليلة في ألمانيا: فقد تظاهر معجبون آخرون ببوتين وأوربان ورفاقهما رداً على اتهام فردين سوري وعراقي بقتل مواطن ألماني. لكن الرد على حادث قد يكون فردياً ولأسباب شخصية، اتخذ الشكل التالي: مطاردة لكل الأجانب في مدينة شمنتز الصغيرة في شرق البلاد، مصحوبة برفع الأعلام والشعارات النازية وشبه النازية، وسقوط عدد من الجرحى بالتالي!

مستشارة ألمانيا أنجيلا ميركل، وبلسان الناطق بلسانها ستيفن سايبرت، أدانت هذا العمل: "فلا مكان في بلادنا للذين يصطادون أناساً يبدون من ذوي خلفيات مختلفة، أو يحاولون نشر الكراهية في الشوارع".

لكن السيطرة على السموم التي تتفشى لن تكون بالأمر الهين، لا في ألمانيا، حيث يحاول حزب "البديل" وسائر اليمين المتطرف الانقضاض على ميركل، ولا في باقي أوروبا، حيث يحضر بوتين زفاف وزيرة خارجية النمسا كارين كنايسل ويراقصها بودٍ وصداقة غير معهودين. والرمز قد يقول في أحيان كثيرة أكثر مما يقوله الواقع.

إنها إحدى الصور الداكنة عن قارة النور في أيامنا هذه.