(أرشيف)
(أرشيف)
الجمعة 31 أغسطس 2018 / 19:22

الديمقراطية الفاجرة!

اتضح أن غياب صدام ليس الحل بل ساهم في تسريع تعقيد الأمور وبخاصة في ما يتعلق بالعراق ومستقبله، وسهل المشروع الإيراني للثأر التاريخي من العراق والعراقيين

احترت كثيراً في البحث عن المسمى الحقيقي لعملية التصويت في صناديق معدة للاقتراع "الحر" في العراق، والتي جاءت ومنذ العملية الأولى أي منذ أول انتخابات بعد نظام صدام حسين إلى اليوم برجالات إيران، ولذا أسمح لنفسي وأنا المطلع على الشأن العراقي بشكل جيد أن أسمي هذه العملية "بالديمقراطية الفاجرة".

لا يوجد نظام انتخابي على مستوى العالم يعطي الحق لحزب فشل في التصويت المباشر من الشعب أن يتولى السلطة تحت غطاء "البدعة الإيرانية المسماة الكتلة الأكبر في البرلمان"، وهي البدعة التي حيكت ضد "القائمة العراقية" بقيادة أياد علاوى في انتخابات 2010 وحصوله على 91 مقعداً في البرلمان لمنعه من تشكيل الحكومة، وتحولت بعد ذلك إلى ما يشبه القانون.

كانت تلك البدعة هدفها الأول استبعاد العدو اللدود لإيران في العراق أي أياد علاوي وكتلته، أما الهدف الثاني فكان إيصال الرجل الوحيد الذي تثق به إيران إلى سدة السلطة ألا وهو نوري المالكي، وقد تم لها ما أرادت ومنذ ذلك اليوم في 2005 وبعد تسلم نوري المالكي رئاسة وزراء العراق، استبيح العراق من قبل إيران بدرجة لم يسبق لها مثيل بين الدول، بحيث أصبح مقر المالكي في المنطقة الخضراء يرفض أوامر أمريكا وينتظر أوامر طهران.

بلا تجنّ وبقدر كبير من الموضوعية، أحال نوري المالكي بحكم تبعيته لطهران، العراق إلى "مستعمرة إيرانية"، والشواهد على هذه الحالة كثيرة جداً.
اليوم يعيد التاريخ نفسه بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة، حيث تشير الأخبار إلى عقد تحالف ثلاثي بين الفتح وتحالف النصر ودولة القانون لتشكيل ما يسمى بالكتلة الأكبر في البرلمان لمنع كتلة مقتدى الصدر من تشكيل الحكومة القادمة.

والسؤال الآن بعد هذه السنوات، ما هو مردود ما سمي بالديمقراطية على حياة العراقيين، وما هي القيمة المضافة إن كانت هناك أصلاً قيمة على حياة العراقي العادي الذي يسمع برواتب خيالية وفلكية للمسؤولين، وأرقام عن صفقات تكاد تصل إلي المليار بقطاعات السلاح والتسليح والنفط والاعمار وفي أغلبها وهمية وتخصص لها الموازنات خارج إطار "الميزانية الرسمية"، وينشط "زلم طهران" في قطف ثمارها وشراء لوازم النظام الإيراني المحاصر وتحديداً في قطاع السلاح والطيران وغيرهما من القطاعات الحيوية.

لم يستفد العراق ولا العراقي بأي شيء يذكر في غياب نظام صدام حسين الذي كنا جميعاً نعتقد أن غيابه هو بوابة الفرج للعراق وللعراقيين وللمنطقة برمتها.
جاءت الحقيقة واتضح أن غياب صدام ليس الحل بل ساهم في تسريع تعقيد الأمور وبخاصة في ما يتعلق بالعراق ومستقبله، وسهل المشروع الإيراني للثأر التاريخي من العراق والعراقيين وهو التاريخ الممتد من معركة القادسية في بداية الفتح الإسلامي حتى نهاية الحرب العراقية – الإيرانية في 18 يوليو (تموز) 1988 وهي النهاية التي قال فيها الخميني جملته الشهيرة (ويلٌ لي لأني مازلت على قيد الحياة لأتجرّع كأس السُم بموافقتي على اتفاقية وقف إطلاق النار.. وكم أشعر بالخجل أمام تضحيات هذا الشعب).

إيران لم تنتقم من تاريخ العراق وماضيه بل نجحت في الانتقام من مستقبله ومستقبل أجياله ربما لعقود طويلة بعد أن كرست الفوضى قاعدة لنظام الحكم فيه وهو النظام القائم على المحاصصة الطائفية والشللية السياسية .