السبت 1 سبتمبر 2018 / 19:43

الشيخ زايد ونموذج الإمارات

كثيراً ما يقال إن العرب لا يملكون إلا الماضي يستشهدون به، ولذلك لا يُحسنون إلا التنظير والشعارات. هذه الشعارات تحتاج إلى دليل من الواقع يثبت صحتها، فبعد انهيار الخلافة العباسية وسقوط معظم البلدان العربية في يد الاحتلال التركي الذي كان مُفتوه يحرمون استخدام الآلة الطابعة والعرب يسيرون باتجاه التخلف والجهل والضعف.

هل يوجد اليوم في العرب من يقدم نموذجاً يُحتذى فيما يتعلق بتحقيق السعادة للإنسان وبث روح التسامح والتعايش بين الناس؟ الجواب هو: نعم، لدينا نموذج فريد وجدير بالدراسة وتكرار تجربته في كل الدول العربية والإسلامية، إلا وهو نموذج دولة الإمارات العربية المتحدة. منذ أن قامت هذه الدولة على يد مؤسسها العظيم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وهي تسير بخطى حثيثة نحو تكوين المجتمع الكامل الذي يعيش فيه كل المواطنين والمقيمين، سعداء يرفلون في ثياب الصحة والعز والأمن والبهجة. إنها نموذج أفضل بملايين السنين الضوئية من جمهورية أفلاطون ومدينة الفارابي الفاضلة.

من الكلمات التي حفظها التاريخ عن الشيخ زايد قوله "ثروتي سعادة شعبي" هذه الكلمات حولها الشيخ زايد إلى واقع ملموس يراه كل مراقب منصف يعرف الإمارات وأهلها. بالنسبة للشيخ زايد الاستثمار الحقيقي هو الإنسان، فهو الثروة الوطنية الحقيقية التي تفوق أهميتها النفط والمال. المال خير، لكن لا خير فيه إن لم يُسخر لسعادة الشعب. ويلتفت الشيخ زايد للجيل الجديد من الشباب ذكوراً وإناثاً ليخاطبهم بقوله: "إن الجيل الجديد يجب أن يعرف كم قاسى الجيل الذي سبقه، لأن ذلك سيزيده صلابه وصبراً وجهاداً لمواصلة المسيرة التي بدأها الآباء والأجداد، وهي المسيرة التي جسدت في النهاية الأماني القومية بعد فترة طويلة من المعاناة ضد التجزئة والتخلف والحرمان". يشير الشيخ زايد هنا إلى الجهود الجبارة التي بُذلت لقيام الاتحاد وكان هو فارسها وقائدها، حتى تكللت الجهود بالنجاح وانتهى زمن الدويلات الصغيرة والتفرق، فكانت الإمارات. قيام الاتحاد بالنسبة للشيخ زايد كان القضية الكبرى, هذا الاتحاد هو الذي أدى لتأمين الاستقرار في البلاد وتحقيق الآمال في التقدم والعزة والرخاء، وهو الذي وفر الحياة السعيدة الآمنة لأهل الإمارات. هذا النجاح المجتمعي الشامل لا يقارن بنجاح فرد طبّق بعض الفلسفات الروحية فوصل إلى السلام الداخلي لوحده وعاش مغتبطاً لا يبالي بمن حوله، هل يعيشون حياة هنيئة أم لا.

كثير من عظماء التاريخ ومفكري الأمم، منهم فيلسوف الألمان الكبير هيغل، يذهبون إلى هذا المذهب، أن قيام الدولة القوية التي تسمو على التمزقات القبلية أو العرقية أو المذهبية، وتسعى لجمع أطراف الوطن في نسيج واحد، هو الخطوة الأولى لتحقيق السعادة المجتمعية التي تنعكس على الأفراد، بدلاً من انشغال كل فرد بسعادته الخاصة دون مؤسسات ترعاه وتساعده لتحقيق تلك الغاية.

يقول الشيخ زايد "لقد علمتنا الصحراء أن نصبر طويلاً حتى ينبت الخير، وعلينا أن نصبر ونواصل مسيرة البناء حتى نحقق الخير لوطننا". الصبر ضروري لتحقيق السعادة والوصول إلى الغايات، والذي لا يملك الجلَد والصبر لن يصل إلى أية وجهة. هناك نوع من الناس، من يقرأ عن الإيجابية والتفاؤل بحماس كبير، ويعيش مغتبطاً إذا سارت الأمور على ما يرام وتحقق له ما يريد، لكنه لا يملك فضيلة الصبر عندما لا يتحقق ما يريد وعندما لا تسير الأمور على مشتهاه، هذا الإنسان بحاجة لتصحيح مساره، فالسعادة يستحقها من يبذل كل الجهود لتحقيق النجاح، ثم يصبر على الشجر حتى يثمر، يصبر صبر أهل الصحراء على حياتهم، حتى يصل إلى موارد الماء.

عندما كان الشيخ زايد يلتقي بأبناء الإمارات في المحافل العامة، كان يبادرهم بالقول "شكراً لكم أيها الشعب" رغم أنه على الحقيقة هو من يستحق الشكر، فهو الذي سخّر كل حياته لتأسيس دولة الاتحاد وتغيير حياة شعب كامل نحو الأفضل، وللانتقال بهم من ظروف قاسية إلى حياة الرخاء والرفاهية، خلال سنوات معدودة. مع هذا،فقد كان الشيخ زايد يكرر هذه العبارة في المحافل دائماً وأمام التلفزيون، وكان أيضاً يكرر وصيته للشعب بأن يشكروا الله قبل كل أحد محتذياً بذلك ما يُروى عن الخليفة الأموي الراشد عمر بن عبد العزيز حين قال "قيدوا النعم بالشكر" أخذها عمر من الآية الكريمة ( لئن شكرتم لأزيدنكم ).

الشكر صفة أساسية في القائد العظيم والفضائل التي تأتي منها متعددة، فهي مما يزيد محبته في القلوب عندما يرى الناس عنده هذا التقدير، وهي مما يوحد ويقرب بين القيادة والشعب، والشكر بالنسبة للأفراد من الصفات الإيجابية الأساسية لتحقيق الرضا والسعادة، فقد أشار بحث طبي إلى علاقة الشعور بالامتنان بتحفيز الطاقة الإيجابية في الدماغ نحو الإبداع والانجاز.

ويتحدث الشيخ زايد عن القدوة فيقول "من عمل واجتهد ونفع نفسه وأهله فإنه يصبح قدوة لأبنائه فيحذون حذوه لأن أفضل معلم للأبناء هو الوالد والمعلم للشعب كله هو القائد". وهكذا كان الشيخ زايد، كان القائد والأب القدوة، كان محبوب العرب كلهم بصفة عامة، ومحبوب أهل الإمارات بصفة خاصة، ولا زلت عندما تذهب إلى تلك البلاد العظيمة، تجد روح القائد العظيم زايد بن سلطان آل نهيان، في كل مكان في دولة الإمارات، لا زال يعيش هناك، يتجلى في كل فرد من أفراد الشعب، فكلهم عيال زايد.

هذا النهج يحتذيه اليوم الشيخ خليفة بن زايد رئيس دولة الإمارات ونائبه الشيخ محمد بن زايد وجميع أبناء المؤسس العظيم الذين جعلوا من بلادهم واحة من واحات الاستقرار والنعيم، وصنعوا قوة لا يستهان بها، و دولة لا تختلف في جمالها وتحضرها وتنظيمها عن أي دولة من الدول العظمى. هذه الدولة الحضارية العظيمة لديها وزارة اسمها "وزارة السعادة" تأسست في 2016 ويسمى الوزير فيها وزير دولة السعادة، وزارة تقوم بأنشطة غير عادية وتتواصل مع كل المنظمات العالمية وتستضيف الخبراء وتطالب بالمزيد من الدراسات العلمية لتحقيق سعادة المجتمع ككل، وفي دولة الإمارات العربية المتحدة وزارة أخرى اسمها وزارة التسامح لترسيخ قيم التسامح الديني والإنساني بين البشر ولتوطيد قيم التعايش بين الناس مهما اختلفت مذاهبهم وأديانهم.