السبت 1 سبتمبر 2018 / 19:58

الخِتان

يُعد الختان من أكثر العمليات الجراحية الشائعة في العالم، ففي عام 1999 تم تختين 1.2 مليون ذكر في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، وتعد هذه العملية ممارسة عالمية منتشرة في كثير من المناطق في العالم. يُقال إن مهد الختان بدأ من مصر قبل 15 ألف سنة ثم انتشر من هناك مع هجرة إنسان ما قبل التاريخ إلى الأجزاء الأخرى من العالم القديم، ولقد وجد علماء الآثار في القرن ال19 ميلادي مومياءات مصرية مختنة يرجع عمرها إلى 6000 سنة قبل الميلاد، وهذا الاكتشاف ينقض كلام من ادعى الاجماع على أن أول من اختتن هو النبي إبراهيم عليه السلام.

يرى العلماء أن الختان بدأ في مختلف أطياف الشعوب أصالة وبدون أن يأخذه شعب عن شعب آخر، فعندما وصل كولومبوس العالم الجديد وجد كثيراً من سكان البلاد الأصليين يممارسون الختان وهم لم يكونوا بمسلمين ولا يهود ولا مصريين، ومن الواضح أن الختان ليس بممارسة إعجازية مقتصرة على شعب أو دين دون الآخر، في بعض الأحيان يعد الختان علامة مميزة لثقافة معينة -مثلها مثل "التاتو"- تميز الشعوب عن بعضها البعض، ففي أفريقيا تقوم القبائل بختان ذكورها عند البلوغ ليظهر أفرادها أنفسهم بمظهر المقاتلين الأشداء، وتُسمى هذه الظاهرة بطقوس الإنتقال من مرحلة لأخرى (rites of passage)، وهناك من يعتقد أن الشعوب البدائية استعاضت عن قتل أطفالها وتقديمهم كقرابين للآلهة بعملية الختان والتطهير.

بدأت ممارسة الختان كطقس ديني في الشرق الأوسط منذ ثلاثة آلاف سنة، فالنصوص المقدسة تقدم الختان كسنة إبراهيمية مارسها اليهود منذ ذلك الزمن إلى يومنا هذا، ثم عندما ظهرت المسيحية منعت الختان رغم أن مؤسسيها الأوائل -كالسيد المسيح وتلاميذه- كانوا قد اختتنوا طبقاً لشريعة اليهود، وبعد زمن المسيح؛ ظهر تيار مسيحي يمنع ختان الذكور، وأصبح هو التيار السائد في المجتمعات المسيحية، لكن لا يزال بعض الأقباط والأرذودوكس الأثيوبيين يمارسون الختان إلى يومنا هذا.

أما في الإسلام لم يُذكر الختان في القرآن صراحة، لكن ورد في السنة ذكره في سنن الفطرة العشرة، واختلف العلماء في حكم وجوب الختان على المسلمين، فبعد أن اتفقوا على جوازه، اختلفوا في وجوبه، فقال أبو حنيفة ومالك هو سنة في حق الرجال والنساء، وقال الشافعي هو فرض على الجميع، وقال أحمد هو واجب في حق الرجال، وفى حق النساء عنه روايتان أحدها الوجوب والأخرى أنه مكرمة للنساء، ونقل عن بعض العلماء –كمالك- تشدده في عملية الختان حتى قال (من لم يختتن لم تجز إمامته ولم تقبل شهادته)، ولقد ضعف علماء الحديث حديث (ألق عنك شعر الكفر واختتن)، ونقل ابن حجر عن ابن المنذر قوله (ليس في الختان خبر يرجع إليه، ولا سند يتبع)، ونقل النووي أن الرجل إذا كان (ضعيف الخلقة بحيث لو ختن خيف عليه لم يجز أن يختن، قال الماوردي: لأنه لا تعبد فيما يفضي إلى تلف).

في نهاية القرن التاسع عشر، تحول الختان إلى إجراء طبي روتيني بسبب تسليم ذلك الجيل بالأبحاث التي تدعي القدرات العلاجية الفائقة للختان لعلاج الفتاق والشلل والصرع والجنون والعادة السرية والصداع والحول والربو وداء الملوك وغيرها، ثم ظهر تيار يشكك في استخدامات الختان الطبية لا سيما مع وجود بعض المخاطر الجراحية في هذه العملية، وصرحت الأكاديمية الأمريكية للأطفال في عام 1999 أنه مع وجود إثباتات علمية على فوائد الختان لذكور المواليد، إلا أن هذه الإثباتات غير كافية للدفع –طبياً- إلى تختين جميع المواليد الذكور بشكل روتيني.

يدعي مناهضو الختان أن الختان يقلل من اللذة الجنسية ويلغي حماية الحشفة للقضيب الذكري، لكن لا يوجد دليل علمي يمكن الاستناد إليه في هذا الإدعاء، ويُستخدم الختان علاجياً في عدة حالات مرضية مثل وجود ضيق أو التهاب في قلفة القضيب، ويُجرى الختان للرضع والأطفال المصابين بالتهابات المسالك البولية ويكونون بحاجة إلى قسطرة معقمة، وهناك بعض الأبحاث الطبية تتحدث عن كون الختان عامل حماية ضد التهابات المسالك البولية بشكل عام، وعامل حماية ضد سرطان القضيب وعنق الرحم، ويُعتبر الختان إجراء وقائياً قد يحول دون انتقال بعض الأمراض التناسلية كمرض الإيدز والزهري بين الزوجين خصوصاً في الدول، بل وسيعول عليه لحماية مليوني أفريقي من الإصابة بفيروس نقص المناعة المكتسبة، وسيعول عليه أيضاً لمنع وفاة 300 ألف آخرين في العشر سنين القادمة، ومع وجود هذه الفائدة الطبية المحدودة للختان، إلا أنه يُمنع عمل الختان منعاً باتاً للأطفال الخدج والمصابين بتشوهات خلقية مُعينة.