مقاتلون من وحدات حماية الشعب الكردية في الرقة (أرشيف)
مقاتلون من وحدات حماية الشعب الكردية في الرقة (أرشيف)
الأحد 2 سبتمبر 2018 / 11:31

هل تتخلى الولايات المتحدة عن الأكراد مجدداً؟

رأى جوست هيلترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لمجموعة الأزمات الدولية، أن موقف واشنطن من الأكراد السوريين لايزال غامضاً، حيث إنه مع استعداد إدارة ترامب لسحب القوات الأمريكية من سوريا، فإن الأكراد، حلفاء أمريكا الذين اختبروا في المعارك ضد داعش، ربما لا يجدون أمامهم خياراً سوى التفاوض على مصيرهم مع نظام الأسد.

الولايات المتحدة قادرة على استخدام وجودها في سوريا لتوفير الوقت والأمن للأكراد ليتم التوصل إلى اتفاق مع دمشق حول المسائل الرئيسية المتعلقة بالسيطرة والحكم

 ويشير هيلترمان، في مجلة "ذا أتلانتك" الأمريكية، أنه منذ 2014 تتلقى وحدات حماية الشعب الكردية، الأسلحة، والتدريب من الولايات المتحدة، وأثبتت فعلاً فاعليتها في القتال ضد داعش في سوريا والعراق، بيد أن إدارة ترامب تعلن نيتها سحب القوات الأمريكية من سوريا، ما يضع الأكراد في مواجهة مستقبل غامض.

معضلة الأكراد
ولحماية أنفسهم في خضم تلك الرهانات، أرسلت وحدات حماية الشعب مرتين، وفداً إلى دمشق في الشهر الماضي للتفاوض على عملية انتقال محتملة في شمال سوريا، ولكن نظام الأسد أثبت أنه غير مرن، وهو يقترب من الانتصار في الحرب الأهلية التي اندلعت في سوريا منذ سبع سنوات، وأكد نيته استعادة كل الأراضي السورية بما فيها التي يسيطر عليها الأكراد ويطلقون عليها اسم "روجافا.

ويظل التساؤل الأكثر أهمية هو "كيف ومتى سيحاول الأسد القيام بذلك؟".

ويعتبر هيلترمان أن الإجابة على السؤال تتوقف إلى حد كبير على الدور الذي ستلعبه كل من روسيا والولايات المتحدة في إدارة مستقبل شمال شرق سوريا، حيث أن ثمة مصلحة لكل منهما في النتيجة التي سيتم التوصل إليها، وبإمكانهما إيجاد أرضية مشتركة حول القضية الكردية.

والواقع أن الأكراد يكتشفون أن دورهم الحيوي في القتال ضد داعش ليس كافياً على الأرجح لضمان الحصول على مساعدة واشنطن في نضالهم ضد أعدائهم، إذ إن الأكراد شعب بلا جنسية ينتشر بين سوريا، وتركيا اللتين تصران على الإبقاء عليه تحت سيطرتها.

ولذلك على الأكراد الاعتماد على الداعمين الخارجيين مثل الولايات المتحدة لمنحهم هامشاً من الحرية والاستقلال، ولكن الولايات المتحدة بمثابة صديق متقلب المزاج بالفعل.

المصالح الأمريكية
ويلفت كاتب المقال إلى أن الأكراد العراقيين كانت لديهم فكرة مسبقة العام الماضي عما قد يحدث عندما تتجاهل واشنطن المصالح الإستراتيجية، وأجرى إقليم كردستان العراق الاستفتاء على الاستقلال، على أمل الحصول على النفوذ في المفاوضات مع بغداد على الانفصال النهائي رغم تحذيرات إدارة ترامب من المضي قدماً في الأمر بسبب سوء التوقيت، مع تواصل القتال ضد داعش. 

وعلاوة على ذلك، لم تحرك إدارة ترامب ساكناً عندما فرضت بغداد عقوبات شديدة على المنطقة الواقعة تحت سيطرة الأكراد وأخذت الأراضي المتنازع عليها بالقوة.

وكان الدرس الذي تعلمه الأكراد العراقيون، أن أي قوة خارجية لن تندفع لمساعدتهم إذا كان في ذلك تهديد لمصالحها. وتمثلت مصلحة الولايات المتحدة في هذه الحالة تحديداً في حماية المعركة ضد داعش والحفاظ على وحدة العراق ضد النفوذ الإيراني.

ويقول مقال "ذا أتلانتك": "يواجه حزب وحدات حماية الشعب اليوم مأزقاً مشابهاً، لأنه فرع سوريا لحزب العمال الكردستاني الذي يقود التمرد ضد الدولة التركية منذ الثمانينات، وصنفته تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمة إرهابيةً، ورغم ذلك دعمته واشنطن بسبب قوة الميليشيات الكردية في ساحة المعركة، وبعد هزيمة داعش سيطر الأكراد على أراض غير كردية إضافية في سوريا، بما في ذلك منبج والرقة".

تركيا والأكراد
ولكن مع عودة نفوذ نظام الأسد، يمكن أن تذهب كل مكاسب الأكراد أدراج الرياح، خاصة مع استعادة قوات الأسد، بدعم روسيا وإيران، المنطقة التي كانت واقعة تحت سيطرة المعارضة في العامين الماضيين، ويأمل نظام الأسد الانتهاء من بقية المهمة في الأشهر القليلة المقبلة، ويستعد للتحرك صوب إدلب، آخر معاقل المعارضة. وبعد ذلك لن ينتظر نظام الأسد طويلاً لمطالبة الأكراد بالتخلي عن المنطقة التي استسلمت لهم في عام 2012؛ لاسيما أن الأسد بحاجة شديدة إلى حقول القمح الواسعة في هذه المنطقة وحقول النفط (أكبر حقوق النفط السورية) من أجل إعادة إعمار البلاد.

ويشير كاتب المقال إلى أن تركيا أيضاً لديها مصلحة مهمة في ذلك، فهي لا تريد وجود وحدات حماية الشعب الكردية على حدودها، وبالفعل غزت القوات التركية في فبراير(شباط) الماضي، منطقة عفرين الكردية شمال غرب سوريا وانتزعتها من الأكراد.

 ومن ثم فإن الأكراد الآن يخشون من تكرار هذه القصة مرة أخرى في شمال شرق سوريا، خاصةً لأن تركيا أعلنت رغبتها في ذلك.

وللتعامل مع الأمر، يلجأ الأكراد إلى بشار الأسد لحل هذه الأزمة، إذ من الممكن التوصل إلى تسوية على ترتيبات ما بعد الحرب للمنطقة الكردية، وربما تتضمن هذه الصفقة درجةً معينةً من الحكم الذاتي الكردي وتقاسم الثروة النفطية.

ولكن موقف الأسد من الأكراد غير واضح تماماً، فرغم إظهاره بعض المرونة في المسائل المتعلقة بالثقافة، واللغة الكردية، إلا أنه يرفض الحكم الذاتي الكامل الذي يطالب به الأكراد، خاصةً فيما يتعلق بقواته الأمنية.

صفقة محتملة مع الأسد
وحسب مجموعة الأزمات الدولية، يفكر القادة الأكراد في تسليم الإدارة المدنية للمناطق الواقعة تحت سيطرتهم إلى الأسد، ويمكن إقناعهم بدمج مقاتليهم رسمياً في الهيكل الأمني للنظام، ولكن الأكراد يصرون على بقاء الشرطة الكردية في المناطق ذات الأغلبية الكردية.

ومن ناحية أخرى، لا يبدو نظام الأسد في عجلة من أمره للتوصل إلى حل، إذ لا يزال لديه الوقت، والدعم الروسي والإيراني.

ويرى كاتب المقال أن إدارة ترامب يمكن أن تلعب دوراً مهماً في هذا الأمر، إذا رغبت في ذلك، حيث  لا يزال هناك 2000 جندي أمريكي في شمال شرق سوريا، إرث القتال الذي لم ينته بعد ضد داعش.

ورغم رغبة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في سحب القوات الأمريكية من سوريا، فإن مستشاريه البارزين للسياسة الخارجية يرون أهمية استمرار الوجود العسكري الأمريكي هناك لمواجهة التوسع الإيراني وللضغط عند تشكيل عملية انتقال سياسي في دمشق، حيث أن الانسحاب الأمريكي غير المشروط و"المتهور"، على حد وصف الكاتب، من شأنه أن يمهد الطريق لتصاعد النزاع بين القوى المتنافسة في شمال شرق سوريا، ويترك المجال مفتوحاً لعودة داعش.

ويختتم المقال: "لا يجب أن تسير الأمور بهذه الطريقة، والولايات المتحدة قادرة على استخدام وجودها في سوريا لتوفير الوقت والأمن للأكراد للتوصل إلى اتفاق مع دمشق على المسائل الرئيسية المتعلقة بالسيطرة والحكم، بحيث تكون مقبولة أيضاً بالنسبة إلى أنقرة، مثل هذه الصفقة ستكون أفضل نتيجة ممكنة للأكراد في ظل الظروف الراهنة".