الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وبطل مسلسل أرطغرل (أرشيف)
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وبطل مسلسل أرطغرل (أرشيف)
الإثنين 3 سبتمبر 2018 / 19:26

من أرطغرل الى أردوغان

ليس أرطغرل حاكماً ديمقراطياً، إنه على غرار أتاتورك يطلب فيطاع، يطلب بدون تباهٍ وبدون عنجهية. إنه يتدخل في كل شيء وله الكلمة في كل شيء

مسلسل أرطغرل الذي يكاد ينهي حلقاته 121 مشارفاً على خاتمته، هو في تركيا أردوغان التي كانت منذ عهد غير بعيد تركيا أتاتورك، قراءة مجددة مختلطة للتاريخ التركي بل للأسطورة التركية، قراءة ملحمة وشعبوية بقدر ما هي إيديولوجية لتركيا الحديثة اليوم، التي تحيّر بسياساتها الماضية في كل اتجاه. قيامة أرطغرل كما هي الترجمة العربية لعنوان المسلسل تروي تأسيس وقيام الدولة العثمانية، فأرطغرل هو والد المؤسس عثمان الأول، والعودة إلى الدولة العثمانية التي قوّضها أتاتورك، هي بحد ذاتها مراجعة بل موقف وارتداد إيديولوجي. نحن في هذا المسلسل على أبواب التأسيس، وأرطغرل ابن سليمان شاه والد عثمان هو واسطة العقد في المشروع العثماني، الذي قد يكون ملهماً للدوغمائية الأردوغانية.

لن نقف طويلاً عند الحبكة الروائية، تعنينا أكثر استلهاماتها ومنظوراتها الأيديولوجية والسياسية، لكن هذا لا يمنع من مرور خاطف على الرواية. يتخلص أرطغرل من منافسة أخوته وحاسديه في قبيلة القايي، وينتقل بأنصاره وأشياعه إلى الأناضول حيث يستقر ويواصل غزواته وحروبه مع المغول والبيزنطيين والقبائل الأخرى، ليحمل من ذلك كله لقب الغازي ويؤسس الدولة التي ستغدو على يد ابنه عثمان الدولة العثمانية.

لسنا نجد في شخصية أرطغرل وفي حياته أي تباينات وأي خصوصيات وفويرقات. هو الرجل المثال ولا ينزل عن هذا المقام، مثال الزعيم ومثال الزوج ومثال الأب والمثال المحارب والمقاتل، وأمه هايماه مثال الأم، وزوجته حليمة مثال المرأة، وأصحابه مثال أصحاب وهم منذ ذلك الحين الصورة المثالية للتركي والتركية.

إذا شئنا أن نحصي استلهامات أرطغرل الذي ينضم إلى التاريخ التركي ويغدو في أساس الأسطورة التركية، الأسطورة العثمانية الاسم الأسطوري للدولة، فإننا لا نعثر على مصدر وحيد.

هناك التاريخ النبوي الإسلامي، وهناك من الناحية الأخرى تركيا أتاتورك، وهناك بالطبع التاريخ العثماني وهناك العقيدة الأردوغانية. خليط من مثالات مختلفة قد تشكل، في نهاية الأمر، أيديولوجيا العدالة والتنمية، الأيديولوجيا المتعددة لرجب الطيب أردوغان.

أرطغرل الذي ساد ضمن حكم السلاجقة الأتراك وتحت الفرع السلجوقي الذي دعي سلاجقة الروم، لم يكن رغم تركية السلاجقة ليكمل حكمهم ودولتهم التي نشأ في ظلها. فالمسلسل التركي يتركنا حيارى تجاه ذلك.

لا ينكر المسلسل أن أرطغرل كان يتبع سلطان السلاجقة المستقر في قونية، لكنه يترك هذه التبعية مبهمة غير مفهومة. يحارب أرطغرل لكنه في حروبه مع القبائل والجيوش يحارب لنفسه، وأخباره تصل فقط إلى السلطان السلجوقي الذي يحسد أمراء أرطغرل ويتآمرون عليه.

نرى السلطان السلجوقي بل أكثر من واحد في مشاهد مفردة، لكننا نفهم من المسلسل أن التركي هو أرطغرل والأتراك هم قبيلته وحلفاؤه والدولة هي إمارته. التركي البطل الشجاع الملتزم المضحي هو أرطغرل ومن حوله.

أرطغرل هو "التركي" لكنه أيضاً مسلم، بل إنه وجماعته وحروبه من استلهام الإسلامي الأول. يقود أرطغرل قبيلته من شرق إيران إلى الأناضول ليقع هناك في صلات تحالف وخصومة مع قبائل المنطقة. هذا ما يستدعي فوراً إلى الذهن فكرة الهجرة والهجرة النبوية بالأخص.

هذه الهجرة ركن في الدعوة الأرطغرولية كما هي ركن في التاريخ الإسلامي. أرطغرل يصل إلى المهجر مع صحبة جميعهم طوع كلمته، جميعهم غاية في النبل والشجاعة والتضحية ما يستدعي من بعيد الصحابة الأوائل. أما أرطغرل نفسه فهو في شجاعته وحكمته والتزامه الديني يعيدنا الى الخلفاء الراشدين، بل إن الروايات عن الخليفة عمر بن الخطاب تظل تتوارد ما يجعلنا نشعر أن أرطغرل انعكاس بعيد للخليفة عمر بن الخطاب.

ليس أرطغرل حاكماً ديمقراطياً، إنه على غرار أتاتورك يطلب فيطاع، يطلب دون تباهٍ ودون عنجهية. إنه يتدخل في كل شيء وله الكلمة في كل شيء وهو، الحاكم الشمولي، ويذكر بأتاتورك كما أن أرطغرل صاحب الزوجة الواحدة وأصحابه مثله أزواج امرأة واحدة ذلك يستعيد أتاتورك بصورة من الصور كما يزاوج بين القومية التركية والإسلام على غرار أردوغان، لكن القومية التركية لم تعد في تعلقها الأتاتوركي بأوروبا والغرب فالبيزنطيون، وهم الرمز المسيحي أعداء ومخادعون. هنا لا نتذكر فقط أتاتورك، بل تمر في الذهن وأقرب منه صورة أردوغان.