تظاهرة ضد صفقة القرن في المناطق الفلسطينية.(أرشيف)
تظاهرة ضد صفقة القرن في المناطق الفلسطينية.(أرشيف)
الثلاثاء 4 سبتمبر 2018 / 20:41

مآلات التبعيث واللحدنة

كانت القيادة الفلسطينيه في بداية طور الانتقال إلى إدارة الحياة اليومية للمجتمع في الضفة الغربية وقطاع غزة، حين زار الصديق المرحوم توفيق أبو بكر رام الله للمرة الأولى بعد اتفاق أوسلو.

راوح قمع الاحتجاجات على سياسة السلطة تجاه قطاع غزة وممارسات التنسيق الأمني بين الذهنية التي كانت سائدة في الشريط اللحدي وأساليب وحدة المستعربين الإسرائيلية لدى تعاملها مع التظاهرات التي تندلع قرب مناطق التماس مع قوات الاحتلال

سألته إثر عودته إلى عمان عن مشاهداته هناك واستمعت باهتمام إلى ملاحظاته وتقييماته التي لم تخل من النقد رغم ما عرف عنه من اعتدال وقرب من رموز القيادة الفلسطينية.

قال لي يومها بنبرة لا تخلو من الامتعاض إن القيادة تعمل على "تبعيث" المجتمع الفلسطيني وراح يسهب في سرد مظاهر انتقال سلبيات تجربتي حزب البعث في سوريا والعراق إلى الضفة الغربية وأذكر أننا تطرقنا يومها لأثر التجربة البعثية في نمط تفكير وعلاقات القيادة الفلسطينية خلال وجودها في المنافي.

لاحظت بعد مرور سنوات على ذلك الحديث انزلاقات من مظاهر "التبعيث" التي التقطها أبو بكر في مشاهداته الأولى إلى بنية وممارسات "اللحدنة" ووجدتني أجري مقاربات ومقارنات بين حال السلطة الفلسطينية والصيغة التي كان عليها جيش لبنان الجنوبي قبل انسحاب إسرائيل من الجنوب اللبناني.

في التفاصيل اللاحقة لتلك المقاربات التي كتبت حولها أكثر من مرة وأثارت جدلاً في ذلك الحين لم تبتعد إدارة السلطة الفلسطينية للحياة اليومية في الضفة الغربية عن الترنح بين "التبعيث" و"اللحدنة" يضاف إلى ذلك الميل إلى "الأسرلة" في بعض الجوانب.

راوح قمع الاحتجاجات على سياسة السلطة تجاه قطاع غزة وممارسات التنسيق الأمني بين الذهنية التي كانت سائدة في الشريط اللحدي وأساليب وحدة المستعربين الإسرائيلية لدى تعاملها مع التظاهرات التي تندلع قرب مناطق التماس مع قوات الاحتلال مما أعاد الى الأذهان الصورة التي تكونت لتلك الوحدة خلال الهبات الشعبية الفلسطينية في الضفة والقطاع .

الخطاب الشهير الذي ألقاه محافظ نابلس خلال استعراض للسلطة وحزبها والمسيرات الموجهة بـ "الريموت كونترول" للاحتجاج على صفقة القرن أو الانتصار لما اصطلح عليه "الشرعية" فيه بعض مظاهر "التبعيث" الذي بنيت عليه علاقة السلطة مع المجتمع.

وفي أحسن أحوالها لم تخرج إدارة قيادة السلطة الفلسطينية لملف "الانقسام" أو "المصالحة" عن تلك الذهنية.

الانزياحات المرتبكة في تجربة السلطة الفلسطينية لا توحي باحتمالات تجاوز حالة الترنح بين ثقافتي التبعيث واللحدنة ولا يخلو الأمر من مقومات بقاء نقاط اللقاء والقواسم مشتركة بين الثقافتين منها الاصطدام بمتطلبات المجتمع الفلسطيني وتعامل الأدوات بقسوة مع حاجات ومسارات تفكير شارع تعرض لتدجين مبرمج وممنهج على مدى العقدين الماضيين وقد تضاف إلى هذه القواسم المآلات التراجيدية لتجارب انطوان لحد والبعثين في حكم الشريط الحدودي اللبناني وسوريا والعراق.

المزاوجة بين نموذجي التبعيث واللحدنة بعض الاستجابة لشروط رحيل السلطة الفلسطينية لا سيما أن المواقف الرافضة لـ "صفقة القرن" و"قومية الدولة" لاتنسجم مع الخلط الرسمي الفلسطيني بين الاستراتيجية والتكتيك والخفة في التعامل مع التحولات الدولية والإقليمية.