تعبيرية.(أرشيف)
تعبيرية.(أرشيف)
الثلاثاء 4 سبتمبر 2018 / 20:24

بناءُ الإنسان.. عن طريق الهدم (2)

مَن قال إنني فشلت في المرات السابقة؟ لقد تعلمت أن هناك ٩٩ طريقة خطأ، عليّ أن أتجنّبها، ولهذا وصلتُ للطريقة رقم مئة

هدم الانهزام
حدثتكم في المقال السابق عن أولى معادلات "البناء عن طريق الهدم" كما أؤمن بها وسردتُها في محاضرتي للجالية الأرمنية في مصر. تلك المعادلة الأولى هي: (هدمُ الهدمِ = بناء)، على نَسَق: "نفيُ النفي إثباتٌ"؛ كما نقول في المنطق والنحو، أو: "سلبُ السالبِ موجبٌ"؛ كما في علم الرياضيات والمنطق الديكارتي. وحكيتُ لكم تطبيقًا لتلك الفكرة عن الضفادع التي قررت أن تتسلّق جبلَ إيڤرست الشاهقَ، في مسابقة رياضية. وكيف لم يُكمل السباقَ ويصل إلى القمة الشاهقة إلا الضفدعُ الأصمُّ الذي لم يستمع إلى هتافات الإحباط التي كانت تأتيه من المتفرجين أسفل الجبل. تلك الهتافات التي سمعتها بقيةُ الضفادع فشحنتها بالطاقة السلبية، فراحت الضفادعُ تسقط على الأرض تباعًا من على جدران الجبل، ولم يفز إلا من “هَدَمَ الهدمَ” ففاز ونجح . واليوم أحدّثكم عن المعادلة الثانية التي تساعدنا على البناء.

 هدم الانهزام = بناء
لشرح هذه المعادلة؛ سأحكي لكم عن فيلٍ صغير كان صاحبُه يربط ساقَه القصير بحبل صغير جوار باب البيت في الهند، حتى لا يمشي الفيلُ بعيدًا، ويضيعُ في الغابات. كل عام صار الفيلُ يكبرُ تدريجيًّا وينمو جسمه، لكن الحبلَ الصغيرَ ظلَّ هو الحبلَ الصغيرَ لا يتغير ولا يغلُظ، فلم يعد يناسب ساق الفيل التي راحت تنمو وتغلُظ. الآن، بعدما كبُر الفيل وصار قويًّا وضخمًا، صار بوسعه أن يقطع الحبلَ النحيلَ بركلة واحدة صغيرة من قدمه الضخمة، ويهرب. لكنه لا يفعل ذلك، بل لا يحاول حتى أن يفعل، بل يظل واقفًا جوار الباب هادئًا. لماذا؟ الفيلُ لا يحاول أن يقطع الحبل ويمضي متجولاً في الحقول، لأنه مازال يحملُ من ذكريات الماضي أنه حاول كثيرًا، حين كان طفلاً، أن يقطع الحبل ويركض في الحقول ويرعى في المراعي ويلعب مع الفراشات والعصافير والزهور. لكنه أخفق مرةً تلو مرة، لأن الحبلَ كان أقوى من أقدامه الصغيرة آنذاك. فاستقرَّ في وعيه أنه أضعفُ من الحبل، فتوقّف عن مصارعة الحبل وكفّ عن محاولات الهروب والركض، غافلا أن جسده ينمو والحبل لا ينمو، وأن حجمه وقوته وقدراته اليوم صارت أكبر كثيرًا من الحبل الصغير. صار هذا الفيلُ مشحونًا بطاقة انهزامية أمام هذا الخصم العتيد الأبدي، الحبل، ولم يعد يفكّر في نزاله أو الانتصارُ عليه.

 وصار صاحبُ الفيل مطمئنًا إلى بقاء الفيل في حوذته دائمًا معتمدًا على قوة ذاكرة الأفيال التي جعلت صديقنا الفيل لا ينسى ذكرياته التعسة مع الحبل حين كان طفلاً وليدًا.

كيف يمكن أن نساعد صديقنا الفيل على الهروب والانتصار على الحبل؟ في الواقع لن نقدر أن نساعده لأن ذاكرته قوية وذكرياته ومُحمّله المعرفي أكبر من محاولاتنا معه. لكن بوسعنا أن نساعد أنفسنا على النجاح بقهر الانهزام داخلنا بالاستمرار في المحاولة مرةً إثر مرةً وعدم الاستسلام لفكرة أننا لن ننجح، فقط لأننا أخفقنا مرةً أو مرتين أو عشرين مرة. العالم العظيم أديسون حاول في تجربة 99 مرة وفشل. ولما حاول للمرة المائة سخر منه المقربون وقالوا له: "أبعد 99 محاولة فاشلة ترجو أن تنجح في المرة المئة؟!” فأجاب قائلاً: “مَن قال إنني فشلت في المرات السابقة؟ لقد تعلمت أن هناك 99 طريقة خطأ، عليّ أن أتجنّبها، ولهذا وصلتُ للطريقة رقم مئة". وبالفعل نجح في الطريقة المئة واخترع لنا الكهرباء التي أستخدمها الآن لأكتب لكم هذا المقال، وتستخدمونها أنتم لتقرأوه. اهدموا الانهزام واليأس داخلكم، حتى ننجح ونبني وننتصر.

هدم الانهزام = بناء
وفي مرات قادمة سأحكي لكم بناءات أخرى بوسعنا أن نبنيها على أطلال هدم أخرى ترسّبت طبقاتُها على جدران أرواحنا.