الملك عبدالله الثاني بن الحسين.(أرشيف)
الملك عبدالله الثاني بن الحسين.(أرشيف)
الخميس 6 سبتمبر 2018 / 20:14

الكونفدرالية

"...مع مين" في مستواها الثاني تعني أنه لن يبقى شيء، أو وبدقة أشد لم يبق شيء، لنتحد معه في الإطار الكونفدرالي الذي تقترحه مبادرة فريق ترامب على الدولة الأردنية

في اجتماعه مع عدد من الضباط المتقاعدين والمحاربين القدامى، تحدث الملك عبدالله الثاني عن موضوع "الكونفدرالية" الذي ظهر من جديد كأحد اقتراحات ادارة الرئيس الأمريكي ترامب لحل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، كان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس قد أثار الموضوع في سياق حديثه عن الدور الأمريكي، مضيفاً أنه اشترط إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية وأن تشمل إسرائيل، في إشارة واضحة على رفضه المطلق لمثل هذه الفكرة.

الملك عبدالله الثاني في حديثه مع العسكريين المتقاعدين في الديوان الملكي، وجه سؤالاً باللهجة الدراجة تجاوز الرفض الى السخرية: "كونفدرالية مع مين؟"

يمكن ببساطة النظر عبر النافذة التي يوفرها تساؤل الملك للفكرة برمتها والاهتداء بسهولة توفرها اللهجة الدارجة التي استخدمها والتي تحولت الى عنوان في الصحافة.

"...مع مين" في مستواها الثاني تعني أنه لن يبقى شيء، أو وبدقة أشد لم يبق شيء، لنتحد معه في الإطار الكونفدرالي الذي تقترحه مبادرة فريق ترامب على الدولة الأردنية.

يقدم أحد أهم اللاعبين في المنطقة مشهداً واضحاً للجغرافيا الفلسطينية في الضفة الغربية، المتبقية بعد ضم العاصمة القدس، وبعد أن يقتطع منها الاحتلال الإسرائيلي "حاجته" الأمنية والديمغرافية والاقتصادية ثم يلقي بما تبقى، الزوائد عن هذه الحاجات كمسؤولية أمنية نحو الأردن، وهي مجموعة من المعازل السكانية الموزعة في شقوق بين شبكة المستوطنات ومعسكرات جيش الاحتلال وطرق الدوريات، محاطة بجدار أسمنتي عازل بارتفاع ثمانية أمتار وبوابات إلكترونية يتم التحكم بها من غرف عمليات محصنة.

لا يوجد شيء هناك لنقيم معه "كونفدرالية"، هذه هي صيغة الرفض العميق التي حملتها رسالة الملك، والتي بدت بوضوح خلف "...مع مين".

في الانتقال للمشهد من زاوية ثالثة في اجتماع للمليونير الديمقراطي اليهودي حاييم زافان مع فريق ترامب جاريد كوشنر وجيسون غرينبلات، إضافة الى المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة نيكي هايلي، أشار التلفزيون الإسرائيلي إلى تسريبات من الاجتماع الذي استغرق ساعتين، هايلي وزعت سخريتها وأمعنت في تهديد الفلسطينيين وإهانة "إخوانهم العرب"، وهو خطاب عنصري ارتبط بأدائها ونشاطها وشخصيتها الرثة، فيما مدح المليونير اليهودي الديمقراطي أفكار ترامب التي تأتي من "خارج الصندوق"، بينما في إجابته عن الكونفدرالية بين الأردن والفلسطينيين ضحك جيسون غرينبلات، وحينما قيل له إن "الفلسطينيين يريدون دولة"، أجاب: "حسناً، في البداية يجب أن نناقش معهم ما معنى دولة فلسطينية".

ضحك مبعوث ترامب لعملية السلام في الشرق الأوسط جيسون غرينبلات، عندما سأله مليونير يهودي من أهم ممثلي اليهود في الكونغرس عن "الكونفدرالية".

كان مشروع الكونفدرالية بين الأردن والفلسطينيين دائماً في ملف المفاوضين الإسرائيليين، كان "الخاتمة" التي ستظهر بعد فرض "الاتفاق"، شارة النهاية التي ستعلن نهاية الصراع وستتوج "شرعية الدولة اليهودية" باعتراف عربي وفلسطيني كامل. النقلة التي ستلقي بكرة النار نحو الضفة الشرقية لنهر الأردن بكل ما يعني هذا من مخاطر حقيقية على الهويتين الأردنية والفلسطينية، حيث لم يتوقف اليمين الصهيوني عن ترديد أن الدولة فلسطينية تقع في الأردن.

الخطورة الحقيقية في الجولة الحالية تكمن في أن البنية التحتية لهذا المشروع الأمريكي-الإسرائيلي، قد قطعت شوطاً متقدماً عبر ضم القدس وإعلان قانون يهودية الدولة وتصفية قضية اللاجئين، يعيش أغلب اللاجئين الفلسطينيين في الأردن ويشكلون أكثر من نصف السكان حسب بعض الاحصائيات، حيث حصلوا على حقوق المواطنة كاملة إثر الإعلان عن المملكة في خمسينيات القرن الماضي، وهو ما لم يحصل عليه اللاجئون الذين قادتهم رحلة اللجوء إلى سوريا في الشمال، أو الأسوأ حظاً الذين وصلوا لبنان وما زالوا يعيشون ضمن شروط معيشية يصعب تصورها أو احتمالها.

كان هناك أغنية يرددها المهاجرون اليهود الذين وصلوا فلسطين عشية النكبة، تقول الأغنية:
ضفتان لنهر الأردن
الضفة الغربية لنا
والضفة الشرقية لنا

الجوقة التي واصلت ترديد الأغنية دون توقف عبر عقود طويلة، والتي يمكن سماعها في احتفالات المستوطنين واليمين الصهيوني حتى الآن، هذه الجوقة هي التي تحكم اسرائيل ومكتب ترامب أيضاً وهي التي تقترح "الكونفدرالية".