من مخيم اليرموك.(أرشيف)
من مخيم اليرموك.(أرشيف)
الإثنين 17 سبتمبر 2018 / 20:08

سجلت ضد مجهول.. معروف لدينا

سُجّلت قضية اليرموك ضد مجهول، ولم يعد من تبقى حياً في المخيم قادراً على البوح بما رأى خوفاً من انتقام النظام، مثلما كان الخوف مكمماً للأفواه في زمن سيطرة الإرهابيين المرتزقة على المخيم ومحيطه

كثيرة هي الجرائم التي تغلق ملفاتها بسبب نقص الأدلة أو غموض هوية المنفذ أو خوف الضحية من البوح. لا يحدث ذلك في بلادنا فقط، ولكن في كل بلاد الدنيا التي يعيش فيها مجرمون طلقاء وتضيع فيها حقوق الضحايا حين يعجز القانون وأدواته عن إدانة الفاعل المجهول، وتتحول الجريمة إلى لغز محيّر يفتح شهوة كتاب السيناريو لتوظيفه في الأعمال الدرامية.

لكن ما يميز الحالة العربية هو الوضوح في تحديد هوية الفاعل شخصاً أو طرفاً أو تنظيماً يواصل مهمته ويستمر في أداء دوره الإجرامي المكشوف، بل ويفخر بهذا الدور ويحتفل بانجازاته الجرمية التي يحولها إلى مناسبات وطنية تقام فيها الاحتفالات.

أحاول قراءة المشهد الجرمي في ذكرى واحدة من أبشع جرائم العصر، وهي مجزرة صبرا وشاتيلا التي اقترفها عملاء إسرائيل في لبنان عام 1982، وانتهت بمقتل آلاف الضحايا من الفلسطينيين والفلسطينيات في المخيمين المنكوبين في بيروت، بعد سنوات قليلة من مجزرة تل الزعتر التي تحالف فيها اليمين المحلي الطائفي مع النظام "المقاوم" في دمشق لتدمير تل الزعتر وقتل من فيه من لاجئين لا ذنب لهم سوى أنهم فلسطينيون، وقبل سنوات كثيرة من مجزرة مخيم اليرموك الذي تسابقت قوات النظام السوري ومجاميع الإرهابيين المرتزقة المختلفين مع هذا النظام على ضربه وقتل من فيه من فلسطينيين لا علاقة لهم بالحرب بين الطرفين الظالمين.

في اليرموك، كما في صبرا وشاتيلا وتل الزعتر، قتل الكثير من الأطفال وبقرت بطون النساء، وتم التمثيل بجثث الضحايا، بينما كان العالم مشغولاً بمحاولة تتبع مؤشرات النصر أو الهزيمة لكلا الطرفين المتحاربين.

وإذا كانت مجزرتا تل الزعتر وصبرا وشاتيلا قد أثارتا ضجيجاً عالمياً كان متوقعاً في زمن صحوة الضمير الإنساني، فإن مجزرة مخيم اليرموك مرت بصمت وكأن الضحايا لم يكونوا بشراً، وكأن الفاعلين لم يكونوا مجرمين.

سُجّلت قضية اليرموك ضد مجهول، ولم يعد من تبقى حياً في المخيم قادراً على البوح بما رأى خوفاً من انتقام النظام، مثلما كان الخوف مكمماً للأفواه في زمن سيطرة الإرهابيين المرتزقة على المخيم ومحيطه.

وحتى لو تم تحديد المسؤولية فإن الجريمة ستمر بلا عقاب مثلما حدث في صبرا وشاتيلا، حيث تحول المجرمون إلى إبطال وتم اتهام الضحايا بالإزعاج وتعكير الصفو العام عندما حاول الناجون منهم الشكوى والكلام. ولم يتم الاستماع إلى أي شهادة إلا في العواصم الأوروبية التي استضافت بعض الهاربين من الموت في المخيمين.

أما الذين اقترفوا المجزرة، فقد كوفئوا بمنحهم مقاعد وزارية أو مناصب قيادية في أطر وتشكيلات سياسية جمعت بين ولائها لإسرائيل وصداقتها مع سوريا! ولعل في قصة إيلي حبيقة نموذج لهذه السريالية السياسية الفجة.

هذا ما يشكو منه الفلسطينيون، وهم محقون في الشكوى، لكنهم يعيدون إنتاج الحالة ذاتها، عندما تتواطأ الطبقة السياسية الفلسطينية في التعتيم على جريمة إسرائيلية ربما شارك فيها خائن أو عدد من الخائنين تمكنوا من تسميم الزعيم الراحل ياسر عرفات.

مرت سنوات طويلة على جريمة اغتيال عرفات وتشكلت لجان للتحقيق، قيل لنا إنها توصلت إلى تحديد هوية منفذي الجريمة، لكن شيئاً لم يعلن، ولم نعرف حتى الآن من قتل ياسر عرفات. ولماذا يتم التحفظ على معلومات تعتبر حقاً للشعب المبتلى بالاحتلال والأجهزة التي تنسق أمنياً مع هذا الاحتلال البغيض.
من حق الفلسطينيين أن يعرفوا من قتل زعيمهم، ومن حقهم أن يطالبوا بالقصاص، وقبل ذلك من حقهم أن يؤكدوا للمتواطئين أنهم ليسوا شعباً أهبل يمكن تخديره ببيان غامض.