رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي وزعيم حزب العمال جيريمي كوربن.(أرشيف)
رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي وزعيم حزب العمال جيريمي كوربن.(أرشيف)
الأربعاء 19 سبتمبر 2018 / 20:12

أحوال الحزبية في بريطانيا

أكثريّة البريطانيّين مستعدّة لتأييد حزب ثالث جديد، غير المحافظين الحاكم والعمّال المعارض. السبب: عدم الثقة بالقدرات القياديّة لقائدي الحزبين

أواخر فصل الصيف في بريطانيا حدثٌ سياسيّ وحزبيّ قبل أيّ شيء آخر. ذاك أنّ تقليداً يقضي بعقد المؤتمرات السنويّة للأحزاب بين أواسط أيلول (سبتمبر) وأوائل تشرين الأوّل (أكتوبر) من كلّ عام. هناك تعرض القيادات الحزبيّة ما فعلته في الأشهر الـ 12 الفائتة، كما يتاح للمعارضة داخل كلّ حزب أن تُسمع صوتها النقديّ بما يُخرج إلى العلن نزاعات رفاق الحزب الواحد.

هذا الموسم الاحتفاليّ لا يبدو أنّه سيمرّ، هذه السنة، على خير. جريدة "الأوبزرفر" استبَقتْ انعقاد المؤتمرات الحزبيّة بنشر نتائج استقصاء للرأي العام بدت خطيرة: أكثريّة البريطانيّين مستعدّة لتأييد حزب ثالث جديد، غير المحافظين الحاكم والعمّال المعارض. السبب: عدم الثقة بالقدرات القياديّة لقائدي الحزبين، رئيسة الحكومة تيريزا ماي وقائد المعارضة العمّاليّة جيريمي كوربن. ودون أن يكون استفتاء بريكزيت وذيوله السبب الأوحد وراء تلك الآراء، فالمؤكّد أنّه السبب الأوّل، بل السبب الحاضر، على نحو أو آخر، في باقي الأسباب.
  
ما فاقم الأهميّة الانتخابيّة لبريكزيت أسباب ثلاثة:
فأوّلاً، يبدو أنّ المفاوضات بين لندن والاتّحاد الأوروبيّ حول تطبيق الانفصال لم تفض إلى نتيجة.

وثانياً، بات واضحاً أنّ أكثريّة البريطانيّين، التي أحبطتها أوهامها بشأن مغادرة الاتّحاد، نادمة على تصويتها السابق.

أمّا ثالثاً، فصدور تحذير عن صندوق النقد الدوليّ بأنّ الطلاق بلا اتّفاق مع بروكسل سيكون أثره سيّئاً على الاقتصاد البريطانيّ.

لقد جمع بين ماي وكوربن، إبّان إجراء الاستفتاء، أنّهما لا يملكان موقفاً واضحاً. الاثنان قالا إنّهما ضدّ الانفصال، والاثنان لم يفعلا شيئاً لوقفه. ماي فُسّر موقفها بارتباطها العاطفيّ والقوميّ بـ "إنكلترا الصغرى"، أي "الزمن الجميل" السابق على الانتساب إلى الاتّحاد الأوروبيّ. كوربن فُسّر موقفه ببعض الخرافات اليساريّة (والقوميّة) القديمة عن أنّ أوروبا مشروع بورجوازيّ يناهض فكرة الوحدة كما تفهمها الطبقة العاملة.

اليوم يتعرّض هذا الفتور في موقفي القائدين البريطانيّين لتحدّيات متعدّدة: بالنسبة لماي، هناك ضغط المجموعة المناهضة لبريكزيت، القريبة من رئيس الحكومة السابق والقائد السابق للمحافظين ديفيد كاميرون. لكنْ هناك أيضاً، وهذا هو الأخطر، ضغط القاعدة الشعبويّة في الحزب التي يرمز إليها وزير الخارجيّة السابق بوريس جونسون. فهذا الشخص الإكزوتيكيّ الذي قاد حملة الانفصال، هو الاسم المطروح للحلول محلّ ماي وتطبيق بريكزيت بأكثر الأشكال رعونة وعداء لأوروبا.

 لكنْ لئن كان ضغط المجموعة الأولى ناعماً ولطيفاً، محكوماً بالرغبة في كسب ماي إلى صفّه، فإنّ ضغط المجموعة الثانية جارح وعدوانيّ على ما تُبديه بعض مقالات جونسون في "ديلي تلغراف".

كوربن قد يكون وضعه أصعب، خصوصاً بعد دعوة صديق خان، عمدة لندن العمّاليّ والشعبيّ، إلى استفتاء آخر حول بريكزيت، والتي يبدو أنّها تلقى تجاوباً واسعاً في أوساط العمّال، بما في ذلك قاعدة كوربن الأقرب. بيد أنّ الأخير يواجه مشكلتين أخريين يصعب تذليلهما بمجرّد الحديث عن "مؤامرة" يحبك خيوطها توني بلير. فهناك، من جهة، أنّ نجاح كوربن في توسيع القاعدة الحزبيّة، وهو نجاح مؤكّد، لا يتساوق مع مواقف أكثريّة المقترعين التي تنظر إليه بوصفه طارئاً على التقاليد السياسيّة والحزبيّة للبلد. وهناك، من جهة أخرى، اتّهامه بممالأة اللاساميّة، وهو ما يُعتبر تطوّراً طارئاً على تقاليد حزب العمّال نفسه.

يبقى، وهذا ما يفاقم المعضلة، أنّ "حزب الديمقراطيّين الليبراليّين" لم يستطع أن يكون هذا الحزب الثالث الموعود، وهذه قصّة أخرى تستحقّ الوقوف عندها بشيء من الإسهاب.