الخميس 20 سبتمبر 2018 / 17:47

عالم الآثار مارك بيتش: إنسان العصر الحجري الإماراتي كان متطوراً يهتم بأناقته

24 - الشيماء خالد

أخذ رئيس قسم التراث الساحلي وعلم الحفريات في دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي، مارك بيتش، جمهوراً غفيراً اجتمع في مركز المؤتمرات في حرم جامعة نيويورك أبوظبي ليلة الأربعاء، إلى الإمارات قبل حوالي 8 آلاف عام، في رحلة غنية بالمعلومات والمغامرة حول إنسان "جزيرة مروح"، حيث حياة العصر الحجري في أبوظبي.

وقال بيتش لـ 24: "قد يعتقد البعض إن إنسان مروح القديم كان متوحشاً يرتدي الأسمال ويلوح بهراوة كما الصور التقليدية عن العصر الحجري، لكن الحقيقة أننا استطعنا من خلال الاكتشافات الأثرية، إثبات أن حياة ذلك الإنسان كانت مزدهرة وغنية بالتفاصيل، سواء في المأكل أو الملبس، إذ وجدنا أدوات زينة وقلائد من أسنان سمك القرش، وحتى أزراراً صنعت من الصدف، ناهيك عن تقاسيم البيوت وقطع الفخار والآنية".

فن.. جدران.. أدوات
وبالفعل تُظهر الاكتشافات الأثرية في إحدى القرى القديمة على جزيرة مروح في منطقة الظفرة بأبوظبي وجود مجتمع سكاني متطور كان أفراده يتمتعون بالعديد من المهارات ويعملون بالتجارة، وقد ازدهرت حياتهم خلال العصر الحجري الحديث.

وتعطي الحفريات الأثرية المكتشفة صورة شاملة عن الحياة في دولة الإمارات قبل حوالي 8 آلاف عام، حيث أقام سكان تلك الحقبة منازل حجرية تعتبر أقدم الأمثلة المكتشفة عن مثل هذا الفن المعماري في منطقة الخليج العربي.

ويضيف بيتش: "عمل هؤلاء الناس على تربية الأغنام والماعز، واستخدموا أدوات حجرية لاصطياد الحيوانات مثل الغزلان، ويشير وجود العظام المكتشفة للأسماك وأبقار البحر والسلاحف والدلافين إلى أن المأكولات البحرية كانت تشكل جزءاً رئيسياً من نظامهم الغذائي".

ويقول بيتش: "من المثير للاهتمام بالفعل تلك التفاصيل المتعلقة بالزينة، من قطعة قلادة عبارة عن سن قرش ثقبت بدقة لتعلق كقلادة، وأزرار رائعة الصنع من المحار، وأساور وغيرها، هذا يؤكد على اهتمام كبير بالمظهر الخارجي لأناس ذلك الزمن السحيق".

ويحكي بيتش عن تفاصيل العمل المعقدة، من تنقيب وحذر وتصوير وتوثيق وغيرها الكثير، فيقول: "كان علينا تحريك أطنان من الصخور، ثم وجدنا بعد ذلك طبقات رفيعة، ومن ثم جدران، وهنا أدرجت تساؤلاً، لماذا كانت هذه الأخيرة عريضة جداً، ووضعت الصخور بطريقة معينة لتدعم شيئاً ما، ولازلنا بصدد البحث في هذا الشأن".

ويضيف "في غرفة رقم 2 وغرفة رقم 3، بعد العثور على عدد من المنازل والغرف، شاهدنا تقسيماَ هندسياً يقود للباب، وكان صعباً تحريك الصخور خلال الكشفيات في هذه المنطقة، وتوجب علينا الحذر الشديد خوفاً من إتلافها، وفي منطقة باسم (ب) وجدنا منزل صغير في نهاية الطريق، حيث بقايا جدران بطول 80 و 90 سم، وكان مدهشاً أن تبقى لكل هذا الزمن".

ولدى بيتش وفريقه العديد من علامات الاستفهام، بشأن ما سبق، وكذلك في منطقة (أ) حيث وجدوا 3 غرف ومجموعة من 8 غرف أخرى، وهنا تبرز التساؤلات حول الحياة في هذا الصدد، بيد أنها لازالت قيد الدراسة.

ويقول بيتش: "البقايا البشرية في الغرفة رقم 1، بينما كنا نبحث وجدنا الكثير من أدوات العيش، أصداف وبقايا آنية وهيكل عظمي لذكر كما تبين بعد فحص دقيق باستخدام عينة أسنان".

لغز نقوش "فك الدلفين"
يقول بيتش: "من المدهش والممتع البحث حول إنسان مروح، أسلافنا هنا، حيث عدد من العظام البشرية المتفرقة استخدمنا الأسيتون وغراء خاص للحفاظ على العينات بالغة الهشاشة، وهناك حواجز في مواقع كشفية متعددة حول الإمارات، تظهر ارتباط إنسان العصر الحري عنا بالبحر، أدواتهم وبقايا أصداف كانت تخاط على الملابس، وكانوا يتحركون بين الجزيرة وأطراف المنطقة وما حولها، كما أن الكشفيات الأثرية وجدت في إحدى غرف المنازل آثار بقايا تحضير طعام وفي غرف أخرى أول آثار الديكور، يمكنا القول، وهذا أمر يدل على حس فني لإنسان هذا الزمن الغابر، حيث وجدنا خطوط وضربات لونية لدرجات داكنة من الأحمر، ووجدنا كذلك إصيص للزراعة وسلة حجرية وأدوات متنوعة حجرية ورؤوس حراب وأسهم وسكاكين وقطع كانت تستخدم لقطع اللحوم"، ووجدنا عظام غزال وماعز والكثير من العظام للأسماك والدلافين، ولدينا أيضاً آلاف العظام الصغيرة والكبيرة من التونة والهامور والشعري وحتى أسماك القرش، وودت قطع أضلاع تدل على أنهم كانوا يحبون تناول الباربكيو كما إنسان اليوم".

ويضيف بيتش: "وجدنا شيئاً غريباً في غرفة رقم (2)، فك دلفين عليه نقوش غريبة وهنا السؤال لماذا قاموا بذلك؟، هذا أمر مثير للاهتمام حقاً، وجدنا بالقرب منه بقايا مدفن بشري، وسكين بالقرب منه، هناك هوس بالنقوش والخطوط كما يبدو من الكشفيات لدى إنسان ذلك العصر، لدينا الكثير من التساؤلات كما هو اضح، لكن حتى الآن ما وجدناه مثير للاهتمام جداً وما عرفناه كنز يضاف للإنسانية".

وشارك بيتش في أعمال التنقيب ومسح عدد من الجزر الأثرية في إمارة أبوظبي، ويعتبر من كبار علماء الآثار المقيمين بالدولة، واعتاد التعليق على ذلك في العديد من المقابلات الصحفية قائلاً: "لم أتخيل أبداً عندما دعاني الشيخ زايد، رحمه الله، لاكتشاف الآثار بمنطقة بني ياس قبل ما يقرب من 24 عاماً أن أمكث بها كل تلك الفترة.. لكن الحقيقة أنني وقعت في عشق الإمارات وأغرمت بدراسة تاريخها، وبالطبع أنا سعيد وفخور، لأنني ساهمت في الكشف عن التاريخ العريق لهذا البلد الرائع".