تعبيرية.(أرشيف)
تعبيرية.(أرشيف)
الخميس 20 سبتمبر 2018 / 20:27

لقاح سرطان عنق الرحم

كان معدل وفيات المواليد الجدد 140 في الألف في عام 1900 في بريطانيا، أما بعد مئة عام، انخفض هذا المعدل إلى 7 في الألف، فهل من الممكن أن يقدم المعارضون للتطعيمات والمضادات الحيوية تفسيراً لذلك؟

وصلتني رسالة من إحدى الأخوات الفاضلات تستغرب موجة التحذير المفاجئة من لقاح سرطان عنق الرحم، والتي يبدو لي أنها انبثقت مما أسميه مجموعة "الثلاثي المرِح": (منتجو "الواتساب"، أعضاء حزب المؤامرة، وجماعة الطب البديل)، الذين جرت عادتهم على اختراع عناوين عريضة وادعاءات مُضللة بدون أن يقدموا تفسيراً مقنعاً ولا مُنتجاً منافساً، ثم يتداولونها ويمررونها فيما بينهم وهم يستدلون بأقوال بعضهم البعض.

بدأت هذه الحملة -في الظل- حين قام البرنامج الوطني للتحصينات في دولة الإمارات بإدخال هذا اللقاح ضمن قائمة التطعيمات الممنوحة للمستفيدين الذين بلغوا سن 13 سنة، وهذا الصنيع متوافق مع التقاليد الصحية العالمية في الدول المتقدمة، والذي تعتمده مؤسسات طبية عريقة، تحرص على تحليل جانب الفائدة وجانب الضرر في ميزان العلم قبل إصدار إرشاداتها للناس.

من ناحية طبية، نستطيع القول إن التطعيم ضد فيروس HPV -المرتبط بسرطان عنق الرحم- يقلل من نسبة الإصابة بهذا الفيروس بنسبة تفوق 90%، إضافة إلى حمايته من أورام أخرى مرتبطة بنفس الفيروس مثل سرطان البلعوم والشرج.

ما صنعه الثلاثي المرِح، يشبه صنيع معارضي تطعيم MMR التي ادعوا أنه يسبب التوحد ! فبسبب أن اللقاح يُعطى في سن ال١٢ شهراً - وهو قريب من وقت ظهور التوحد التي تبدأ أعراضه في الظهور في سن ال18 شهراً- حدث ربط موهوم بين اللقاح والتوحد، ولاشك أن هذا الربط كان مشروعاً في وقته، إلا أنه الآن أصبح أمراً فاقعاً للمرارة، لاسيما بعد إجراء دراسة على مئة ألف طفل في بريطانيا أثبتت عدم وجود علاقة بين اللقاح والتوحّد. كل ذلك في مقابل ورقة هزيلة قدمها جراح بريطاني يُدعى "أندرو ويكفيلد"، والذي اختار 13 طفلاً أظهر أن 8 منهم أصابتهم اضطرابات سلوكية بعد أخذ الطعم. ورغم دحض ورقته مراراً وتكراراً، انخفض معدل التطعيم في بريطانيا بسبب أكاديميين وصحفيين شوهوا الحقيقة من أجل الشهرة ولفت الانتباه، دون أن يحسبوا حساباً لاحتمالية تفشي أمراض معدية بين الأطفال بسبب تهورهم.

إن مسألة إنكار ما يستحيل إنكاره عقلاً لا تعود على المجتمع إلا بالجهل والمرض والتخلف، فلعلنا نتذكر ما صنعته حكومة جنوب أفريقيا في أواخر التسعينيات حين لم تعترف أن فيروس HIV هو سبب مرض الإيدز، فرفضت البرامج العلاجية والمساعدات الصحية، فأدى ذلك إلى ظهور 171 الف حالة إصابة جديدة، و حصول 343 ألف حالة وفاة بين عامي 1999 و 2007 ، وولادة 35 ألف طفل مصابين بالمرض، والذي كان يمكن منعه بالعقارات أثناء فترة حمل المصابة بالفيروس، بل وعقد المُنكرون لوجود فيروس HIV مؤتمراً عام 2000 طالبوا فيه بحظر فحوصات الفيروس، وقامت وزارة الصحة بدعم علاج الايدز بالشمندر والثوم والليمون والبطاطس الأفريقية.

هل يريد منا هؤلاء العودة الى عصر يقتل فيه الطاعون ثلث سكان العالم، أو عصر لا يوجد فيه ماء معقم ولا مبيدات بعوض تحد من انتشار الملاريا؟ أو عصر لا توجد فيه تطعيمات وتتفشى فيه أمراض الحصبة والسل والجدري؟

كان معدل وفيات المواليد الجدد 140 في الألف في عام 1900 في بريطانيا، أما بعد مئة عام، انخفض هذا المعدل إلى 7 في الألف، فهل من الممكن أن يقدم المعارضون للتطعيمات والمضادات الحيوية تفسيراً لذلك؟

همسة: يا من تحرص على نشر هذه الرسائل تحت شعار النصيحة، اعلم أن الفيروس HPV هو أكبر مُسبب لسرطان عنق الرحم، تخيل لوهلة أن إحدى قريباتك أو صديقاتك صدّقت هذه الرسالة، ولم تأخذ التطعيم، ثم أصيبت بسرطان عنق الرحم في المرحلة الرابعة، حيث لا تتجاوز فُرص النجاة من الموت 15% خلال خمسة أعوام، ماذا سيكون موقفك حين ذلك وقد أعدت إرسال رسالة لم تُلق لها بال؟ ومن سيتحمل مسؤولية معاناة المريضة وأهلها؟ لن يتحملها الثلاثي المرِح القابع في ظلام برامج الدردشة، فأكرمونا بسكوتكم فالتطعيم ليس إجبارياً، وبإمكانكم رفض تناوله وتحمل وزر ذلك، لكنكم لن تطيقوا حمل أوزار من يصدقكم.