دمشق في ثلاثينات القرن الماضي.(أرشيف)
دمشق في ثلاثينات القرن الماضي.(أرشيف)
الجمعة 21 سبتمبر 2018 / 11:19

حرب سوريا تنهي العصر الأمريكي وتدشن العصر الروسي في المنطقةَ!

استعاد موقع "فورين بوليسي" مقطعاً من كتاب" لوردات الصحراء: المعركة بين الولايات المتحدة وبريطانيا للهيمنة على الشرق الأوسط" لمؤلفه جيمس بار، مذكراً باهتمام أمريكا الكبير بموقع سوريا الجغرافي، منذ سبعين عاماً.

يسعى بوتين، لوقف تراجع نفوذ بلاده عن طريق التحكم في مسارات الطاقة المتدفقة من روسيا في جميع الاتجاهات، الشرق الأوسط ومنطقة بحر قزوين

وفي كتابه يستعرض بار ما جرى عند بدايات تأسيس وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إي) في سبتمبر( أيلول) 1947، عندما سافر اثنان من ضباطها من بيروت إلى دمشق، للقاء زميل وصل لتوه إلى سوريا. وحمل الضابطان اسمي آرشي وكيم روزفلت، وكانا أبناء عم ومن أحفاد الرئيس السادس والعشرين للولايات المتحدة، وقد بدآ العمل في عالم الاستخبارات. وبعدما أنهى آرشي مدة عمله كملحق عسكري في إيران، أصبح رئيس محطة سي آي أي في بيروت. وأما كيم الذي خدم في مكتب الخدمات الاستراتيجية خلال الحرب العالمية الثانية، فقد تظاهر بأنه يعمل صحفياً لدى مجلة هاربر. وقد سافرا إلى دمشق للقاء رجل سيشتهر لاحقا،ً واسمه ميلس كوبلاند.

جولة عبر سوريا
ويقول بار إنه ما إن التقى آرشي وكيم روزفلت بكوبلاند، حتى استهل الثلاثة جولة عبر الأرضي السورية بزعم أنهم يرغبون بزيارة عدة قلاع صليبية. وفي حقيقة الأمر، أرادوا التعرف على سوريين في مواقع نفوذ من الذين تعلموا في معاهد وجامعات أمريكية، على أمل الحصول مساعدتهم في تحقيق غايتهم. وقد كللت مهمة الرجال الثلاث بنجاح، وأصبحت سوريا، بحلول خريف 1947 تحكم من قبل حسني الزعيم ومن ثم أديب الشيشكلي، الصديقين لأمريكا. ومن يومها أصبح موقع سوريا مهم للولايات المتحدة كما كان بالنسبة للصليبيين قبل 800 عام.

موقع هام
ويلفت بار لموقع سوريا الاستراتيجي الهام، فضلاً عن ثرواتها، ما أعطاها أهمية كبرى. فقد سعى الصليبيون للاستيلاء على سوريا في القرنين الثاني والثالث عشر لأنها تقع على الطريق التجاري بين أوروبا والقدس. وبنفس القدر مثل موقعها أهمية كبرى للأمريكيين الثلاثة في سبتمبر( أيلول) 1947، لأنها تقع على طريق خط أنابيب تابلاين الذي مهد لنقل كميات هائلة من النفط السعودي إلى أوروبا عبر ميناء على المتوسط. وتلك كانت أهمية ذلك المشروع الذي سعى رجلا السي آي أي لتأمنيه ليس بهدف القضاء على خطة بريطانية بديلة وحسب، بل عبر تدخلهما بدرجة لا مسبوقة، في السياسات المحلية في المنطقة.

بداية تدخل
وحسب الكاتب، رغم أن تلك المرحلة مثلت بداية للتدخل الأمريكي في الشرق الأوسط، لكن نسيها الجميع، بمن فيهم صناع السياسة الأمريكية. ورغم ذلك، ما زالت سوريا تمثل أهمية استراتيجية لبعض الدول، وليس من بينهم الولايات المتحدة.

ولكن بقيت حقائق جيوسياسية ما جعل من سوريا منطقة تنافس دولي في الأربعينيات والخمسينيات. فسوريا تقع على الممر الطبيعي بين الخليج وأوروبا. ولربما لإدراك الرئيس السوري بشار الأسد لكيفية تأثر بلده بموقعه الاستراتيجي الذي أدى لزعزعة استقراره قديماً، فقد رفض، في عام 2009، عرضاً قطرياً لإنشاء خط لنقل الغاز عبر الأراضي السورية، ووافق على خط يصل حقول النفط الإيرانية بالمتوسط، ما أسس، ولأول مرة، حبل سر فولاذي يصله بحلفائه في طهران.

أسباب مماثلة

ويرى الكاتب أن الأسباب التي دفعت الولايات المتحدة لأن تكون مستعدة للتدخل في سوريا، هي ذاتها التي تحرك اليوم الروس. ويسعى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لوقف تراجع نفوذ بلاده عن طريق التحكم في مسارات الطاقة المتدفقة من روسيا في جميع الاتجاهات، الشرق الأوسط ومنطقة بحر قزوين. وستؤدي سيطرته على الممر السوري لتحسين فرصه في احتكار العروض الأوروبية لاحقاً.
وبعد نجاحه في حماية الأسد من انتقام الغرب عبر قرارات مجلس الأمن الدولي، سيطلب بوتين، بدون شك، ثمن ذلك الدعم عبر اتفاقيات تجارية طويلة الأجل، فضلاً عن إنشاء قواعد بحرية وجوية في سوريا.
وفي ختام كتابه، يرى بار بأن عصر أمريكا في الشرق الأوسط في انتهى، وبدأ عصر روسيا بالفعل.