الرئيسان الروسي فلاديمير بوتينوالتركي رجب طيب أردوغان.(أرشيف)
الرئيسان الروسي فلاديمير بوتينوالتركي رجب طيب أردوغان.(أرشيف)
الأحد 23 سبتمبر 2018 / 12:46

اتفاق إدلب يرسم توازن النفوذ في إدلب و..المنطقة!

رأى الصحافي باتريك كوكبيرن، في صحيفة إندبندنت البريطانية، أن اتفاق وقف إطلاق النار في إدلب الذي توصلت إليه روسيا وتركيا مؤخراً يثبت أن لبوتين اليد العليا في سوريا، وذلك على الرغم من تعامل الغرب مع روسيا باعتبارها قوة عدوانية تشكل تهديداً للجميع، وهمّشت قبل سبع سنوات عندما قام حلف الناتو بتغيير النظام في ليبيا.

تركيا ستزيد من حصتها العسكرية في شمال سوريا، ولكنها لا تستطيع القيام بذلك بأمان إلا من خلال موافقة موسكو، والأولوية بالنسبة إلى تركيا تتمثل في منع إنشاء دويلة كردية

ويستهل كوكبيرن مقاله بالإشارة إلى تشكيك الخبراء في الاتفاق الذي أبرمه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان في سوتشي يوم الأثنين الماضي؛ لتفادي هجوم وشيك من جانب قوات الرئيس السوري بشار الأسد ضد المعارضة في محافظة إدلب، المعقل الأخير للمعارضة المسلحة في غرب سوريا؛ حيث خسرت معاقلها في حلب ودمشق ودرعا خلال العامين الماضيين.

وتبدو تلك الشكوك مفهومة، بحسب الصحافي البريطاني، لأنه إذا تم تنفيذ الاتفاق فإن الجماعات المعارضة للأسد في إدلب ستتراجع عسكرياً؛ حيث سيتم انتزاع منطقة منزوعة السلاح (خاضعة لسيطرة روسيا وتركيا) من الأراضي الواقعة تحت سيطرتهم الآن، إلى جانب طرد الجماعات الراديكالية المتطرفة وسحب الأسلحة الثقيلة من الدبابات وحتى قذائف الهاون، فضلاً عن فقدان المعارضة لسيطرتها على اثنين من الطرق السريعة الرئيسية عبر إدلب التي تربط بين المدن الواقعة تحت سيطرة نظام الأسد، وهي حلب واللاذقية وحماة.

ويلفت كوكبيرن إلى احتمالية عدم تنفيذ الأهداف المحددة في الاتفاق؛ نظراً لصعوبة موافقة جميع الأطراف المتورطة في الحرب الأهلية السورية على تنفيذ الشروط. فعلى سبيل المثال: لماذا يتخلى مقاتلو جماعات متطرفة تتبنى نهج القاعدة مثل "هيئة تحرير الشام" طواعية عن مثل هذا النفوذ العسكري الذي يتمتعون به حتى الآن؟ وكانت حكومة نظام الأسد قد أعلنت أنها ستلتزم بالاتفاق، ولكن ربما تضع في حسبانها أنها ستكون قادرة، ليس على الأمد البعيد، استعادة السيطرة على إدلب تدريجياً كما فعلت مع الجيوب الأخرى للمعارضة.

توازن القوى الكبرى
ويعتبر الصحافي البريطاني أن الأكثر إثارة للاهتمام في هذه الاتفاقية ليس تفاصيلها وإنما ما تعكسه عن توازن القوى في سوريا والمنطقة وحتى في العالم ككل. وعلى الرغم من أن تنفيذ اتفاق بوتين وأردوغان ربما يواجه صعوبات ولن يحقق سوى فوائد مؤقتة، فإنه يخدم غرضاً مهماً إذا قلل عدد الضحايا السوريين في إدلب.

ويقول كوكبيرن: "تحولت سوريا منذ فترة طويلة إلى ساحة مواجهة للدول الأجنبية والحروب بالوكالة إلى جانب اختبار القوة والنفوذ للقوى الدولية الكبرى، ولعل النتيجة الدولية الأكثر أهمية لهذه الحرب حتى الآن هي تمكين روسيا من إعادة تأسيس نفسها كقوة عظمى. فقد ساعدت موسكو الأسد على تأمين حكمه بعد الانتفاضة الشعبية ضده في 2011 وضمنت له الفوز النهائي في الحرب الأهلية من خلال التدخل العسكري المباشر في عام 2015. لقد أنقذت روسيا الأسد من مصير معمر القذافي في ليبيا الذي تم الإطاحة به خلال 2011".

ويشير الصحافي البريطاني إلى أن روسيا كانت في واقع الأمر أقوى مما تبدو؛ لاسيما أنها لاتزال قوة نووية عظمى قادرة على تدمير العالم حتى بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في 1991، ويجب أن يكون من الصعب نسيان وتجاهل هذه الحقيقة المهمة بشكل كبير، بيد أن السياسيين والمعلقين يواصلون التوصية بعزل روسيا، كما يتظاهرون بأنه يمكن تجاهل روسيا بأمان.

عودة روسيا كقوى عظمى

وعلاوة على ذلك فإن عودة روسيا كقوة عظمى كانت دائماً أمراً حتمياً، بحسب الكاتب، ولكن جرى تسريع خطواتها بفضل الانتهازية الناجحة والأخطاء القاسية من جانب الدول المتنافسة؛ حيث أسفرت الحسابات الخاطئة لواشنطن وباريس ولندن عن توفير بأرضية سياسية خصبة لتأكيد نفوذ الدولة الروسية، ويعكس الاتفاق الذي وقعته روسيا وتركيا يوم الاثنين الماضي بشأن مستقبل محافظة إدلب حجم النفوذ الذي اكتسبته روسيا على الساحة السورية، إذ إن بوتين قادر على توقيع اتفاقية ثنائية مع تركيا (ثاني أكبر قوة عسكرية في حلف الناتو) دون أي إشارة إلى الولايات المتحدة أو غيرها من أعضاء الناتو.

ويعني الاتفاق أن تركيا ستزيد من حصتها العسكرية في شمال سوريا، ولكنها لا تستطيع القيام بذلك بأمان إلا من خلال موافقة موسكو، والأولوية بالنسبة إلى تركيا تتمثل في منع إنشاء دويلة كردية تحت الحماية الأمريكية في سوريا، ومن ثم فهي تحتاج إلى التعاون الروسي. وعلى سبيل المثال أسفر انسحاب المظلة الجوية الروسية، التي كانت تحمي جيب عفرين الكردستاني في وقت سابق من هذا العام، عن تمكين الجيش التركي من غزو عفرين والسيطرة عليها.

انتهازية بوتين
ويرى الصحافي البريطاني أن كل ما حدث منذ 2011 يقود إلى نتائج عكسية؛ إذ حاولت القوى الغربية إضعاف الأسد لإجباره على الابتعاد عن موسكو وطهران، ولكنه بات أكثر اعتماداً عليهما، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى قتل وإصابة المزيد من السوريين وزيادة أعداد اللاجئين فضلاً عن توفير الفرصة لاستنساخ جديد لتنظيمات إرهابية مثل القاعدة.

ويصف كوكبيرن الهيمنة الروسية في الجزء الشمالي للشرق الأوسط بأنها "انتهازية" ولكن يتم تعزيزها بعوامل أخرى، فعلى سبيل المثال ربما لم يبدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أي حروب بعد، ولكن غموض السياسة الأمريكية والتشكيك فيها يعني أن العديد من دول العالم تبحث الآن عن سياسة إعادة تأمين مع روسيا لأنها لم تعد واثقة بأن الولايات المتحدة يمكن الاعتماد عليها، وربما لن يتمكن بوتين دائماً من استغلال الفرص المختلفة المعروضة عليه بشكل غير متوقع، ولكنه بالفعل حقق نجاحاً مذهلاً حتى الآن.