متظاهرون من عرب الأحواز ضد النظام الإيراني (أرشيف)
متظاهرون من عرب الأحواز ضد النظام الإيراني (أرشيف)
الأحد 23 سبتمبر 2018 / 18:03

الأحواز.. قصة إقليم محتل وشعب مقهور منذ قرنٍ يرفض الخضوع لطهران

24- إعداد: نيفين الحديدي

يكتسب الهجوم على عرضٍ عسكري للحرس الثوري أمس السبت في إيران بعداً نوعياً، بسبب طبيعة الصراع الذي يخوضه عرب الأحواز ضد الاضطهاد والتمييز العرقي الذي يُسلطه النظام على عرب الأحواز، منذ تسعة عقود.

وفيما يُعيد هجوم أمس، قضية الأحواز إلى واجهة المشهد السياسي والإعلامي، فإنه يؤكد أن إيران تدفع ثمن تجاهلها مطالب عرب الأحواز، وتهميش قضيتهم، فلماذا يحاول النظام الإيراني طمس هويتهم العربية، وما السيناريوهات التي ترسم مستقبل الصراع في الإقليم؟.

الأحواز "عربستان" 

الأهواز، أو الأحواز هي عاصمة ومركز محافظة خوزستان. تقع جنوب غرب إيران، ويخترق المدينة نهر قارون، ويفوق عدد سكانها مليوني نسمة، حسب إحصاءات إيرانية في 2006، لتكون بذلك أكبر مدن خوزستان.

والأهواز تاريخياً، إمارة عراقية كانت تتمتع بالحكم الذاتي في عهد الانتداب البريطاني، ويتحدث عرب الأهواز لهجةً عراقية، ويتبع أغلبهم المذهب الشيعي، مع وجود أقلية تحولت إلى المذهب السني، يُسمون ُسنّة الأهواز، وعرف الإقليم تاريخياً باسم "عربستان".

وعلى مدى عقود، أظهر النظام الإيراني كراهية عميقة ضد الأحواز الذين يشكلون 10% من السكان، حيث يعيش نحو 10 ملايين من الأحواز العرب في جنوب، وجنوب غرب إيران، ويشكلون أحد الشعوب المضطهدة في الشرق الأوسط.

وفي 1925، ضمت سلطات الانتداب البريطانية الإقليم لإيران، بعد خلع الشاه رضا بهلوي الشيخ خزعل الكعبي، آخر حاكم عربي لإقليم الأحواز وإعدامه، وفرض السيطرة الإيرانية على الإقليم بعد غزوه عسكرياً.

طمس الهوية
ومنذ سيطرة إيران على "عربستان" اتبعت طهران  سياسة تمييز ضد عرب الأهواز في التوظيف وفي الثقافة، فمنعتهم من تعلم اللغة العربية ومن استعمالها في المناسبات ومن تسمية أطفالهم بأسماء عربية.

ومع الثورة الإيرانية في 1979، ساهم الشعب العربي الأحوازي بقوة في إسقاط النظام الشاهنشاهي "الدولة البهلوية" أملاً في عودة دولة الأحواز العربية، عبر إقامة نظام ديمقرطي في إيران.

وعندما استقر الأمر، وتشكلت أول حكومة مؤقتة، ما بعد الشاه، التقى وفد مع الخميني في مقره بمدينة قم الإيرانية، لكنه لم يُبد تعاطفاً، فكان عرب الأحواز أول ضحايا النظام الجديد، وقمعت الحكومة المؤقتة في بداية الثورة انتفاضتهم السلمية التي طالبوا فيها بحكم ذاتي لإقليم عربستان "الأحواز".   

وعلى مدار تسعة عقود قاوم الأحوازيون "سياسة التفريس"، وشهدت الساحة الأحوازية ثورات تحررية، وخلال عمليات تمرد مسلحة وحركات غير مسلحة لا تعد ولا تحصى، كرر عرب الأحواز عزمهم على مواصلة نضالهم ومقاومتهم للاحتلال وتأكيد سيادة الأحواز التي ضاعت أمام الغزو الإيراني. 

وأدى اكتشاف النفط بالإقليم في 1908 إلى توطين مئات الآلاف من الفرس في خوزستان، ما غير التركيبة السكانية، واتبعت السلطات سياسة تفريس الإقليم لتغيير طابعه السكاني، فجلبت آلاف العائلات من المزارعين الفرس إلى الإقليم منذ 1928.

ويُذكر أن إيران أطلقت على الإقليم قبل ‏خمسة ‏قرون اسم "عربستان" غير أنها غيرته بعد الضم إلى خوزستان‏، ‏مثلما غيرت الأسماء العربية في مدن الإقليم بأخرى فارسية منذ ‏1936 ‏في عهد الشاه رضا بهلوي.

وعمدت الأجهزة الإيرانية إلى طمس وتشويه الهوية الوطنية والثقافية للأحواز، باعتبارها الأحوازيين عرباً إيرانيين وأقلية ناطقة باللغة العربية، للإيحاء بأنهم ليسوا عرباً في الأصل، ولكنهم فُرس تحولوا مع مرور الوقت وتحت التأثير اللغوي لجيرانهم، إلى متحدثين بالعربية، بسبب قربهم من الدول العربية.

تجاهل دولي
ويعود عرب الأحواز إلى قبائل عربية أصيلة، وتعد أراضي الإقليم من أخصب الأراضي الزراعية في الشرق الأوسط، وتجري فيه ثلاثة أنهار كبرى، لكن حكومة طهران تحرم السكان من هذه خيرات الإقليم، ما جعل البعض يُطلق على الشعب الأحوازي أنه "أفقر شعب يسكن أغنى الأراضي خصوبة وخيراً". 

وتعود آخر انتفاضة عارمة للأحوازيين في أبريل(نيسان) 2005 ضد سياسة إيران لتغيير النسيج السكاني للإقليم، وتهجير العرب من أرض آبائهم وأجدادهم واستبدالهم بمهاجرين فرس وسائر القوميات، وتحويل العرب في الأحواز من أكثرية إلى أقلية في موطنهم.

وفي 2011 تأثر الأحوازيون بالاضطرابات التي هزت العالم العربي، خاصةً في سوريا، فنظموا قاموا مظاهرات سلمية واسعة، ولكن التعتيم الإعلامي الإيراني من جهة، والتجاهل الدولي لقضية الأحواز  سمح لطهران بقمع هذه الانتفاضة بسرعة.  

حاولت السلطات الإيرانية ربط الحراك العربي الأحوازي بالعامل الطائفي، وتعرض الأحوازيون إلى القمع والعنف المنظم بدءاً من تصفية النشطاء السياسيين بالإعدامات السرية أو العلنية، وصدور أحكام بالسجن لفترات طويلة، وتعذيب نشطاء المجتمع المدني، وحتى المواطنين العاديين.

وفي أواسط أبريل(نيسان) 2011، تناقلت التقارير الحقوقية إطلاق قوات الأمن النار على العشرات من المتظاهرين وقتلهم، في منطقة الأحواز، وشهد العام الحالي 2018 ارتفاعاً في إصدار الأحكام بالإعدام وتنفيذها.

النفط والغاز
وفي ظل النظام الطائفي الأصولي الحالي في إيران، يعيش الأحوازيون في خوف دائم من القمع، وسياسة التطهير العرقي الذي بدأها نظام بهلوي، واستكملها نظام الملالي.  

وبالنظر إلى جغرافيا وثروات المنطقة، يمكن الانتباه لسبب احتلال إيران للأحواز، وهي الغنية بالموارد الطبيعية من النفط والغاز، إذ تضم حوالى ‏85‏% من النفط والغاز الإيراني‏، إضافةً إلى خصوبة أراضيها التي يصب فيها نهر قارون، الذي يُمثل وحده 35% من الموارد المائية في إيران، ما يسمح بإنتاج عشرات الأنواع من الخضر والفواكه، لتشكل ثروات المنطقة مجتمعةً حوالى نصف الناتج القومي الصافي لإيران، وفقاً لـ "معهد العربية للدراسات والتدريب".


نظرية المؤامرة
وفي محاولة لـ"فرسنة" الأحواز، غُيرت الأسماء العربية التاريخية للمدن وحلت محلها أسماء فارسية، ومُنع ارتداء اللباس العربي، وحُظر وجُرّم استخدام اللغة العربية في الأحواز، إلى جانب رفض الهوية العرقية للعرب الأحواز.

وفي المقابل تُقيم طهران عدداً هائلاً من المدارس والمؤسسات والمراكز لفرض ونشر اللغة والثقافة الفارسية، على حساب العربية وكل ما يرتبط بهوية وثقافة وتاريخ الشعب العربي في الأحواز، انتهاءً بمنع بناء مساجد خاصة بهم.

ولتبرير سياسة الحديد والنار في الأحواز، وإخفاء هذه الحقائق، تُروج طهران لنظرية المؤامرة ضدها، واتهام الجهات التي تصدر تقارير دورية مُوثقة عن أوضاع العرب الأحوازيين بالترويج والدعاية الهادفة إلى نشر القلاقل في إيران، والتأثير على وحدة شعوبها وقومياتها، التي أقصتها وأذلتها منذ بداية القرن العشرين تحقيقاً لأهداف ومطامع قومية فارسية على حساب الأقليات الأخرى، وفي طليعتها عرب الأحواز.