خريطة وزعتها وزارة الدفاع الروسية بعد إسقاط الطائرة الروسية (روسيا اليوم)
خريطة وزعتها وزارة الدفاع الروسية بعد إسقاط الطائرة الروسية (روسيا اليوم)
الأحد 23 سبتمبر 2018 / 20:03

صعوبة ومخاطر الصعود إلى شجرة عالية

لا يرغب الإسرائيليون، ولا الروس، في المجابهة العسكرية على الأراضي السورية، طالما أن نشاط الطرفين هناك يحقق لكل طرف مصالح سياسية، وعسكرية، لا تتناقض، بالضرورة، مع الطرف الآخر.

على الرغم من الغضب الروسي، وما تجلى في تصريحات بعض الإسرائيليين، خاصة وزير الدفاع، من استفزاز، إلا أن الطرفين لا يملكان القدرة على التصعيد إلى حد يهدد بنسف قواعد اللعبة، والدخول في مجابهة مباشرة قد تؤدي إلى حرب إقليمية كبرى

فالهدف الرئيسي لإسرائيل يتمثل في الحيلولة دون التمركز الإيراني قرب الحدود في هضبة الجولان، وقطع الطريق على الإمدادات العسكرية الإيرانية لحزب الله سواءً في سوريا، أو لبنان، إضافة إلى وضع مصالح إسرائيل الأمنية في سوريا ما بعد الحرب الأهلية في الاعتبار.

أما أهداف الروس فمزدوجة، منها ما يتصل باستراتيجية بعيدة تتجلى في قواعد جوية، وبحرية في سوريا، وهي وثيقة الصلة بالتوازن الاستراتيجي في الشرق الأوسط بشكل عام، وتمثل رداً على اقتراب حلف الناتو بمنظوماته الصاروخية والاستخبارية من المجال الحيوي الروسي في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة، وباستراتيجية قريبة ومتوسطة المدى تتصل بالقضاء على الجماعات المسلحة المُعارضة لنظام آل الأسد.

والواقع أن استراتيجية المدى القريب والمتوسط تستدعي تعاوناً مع مختلف الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة على الأراضي السورية، التي تملك بدرجات متفاوتة ما يكفي من الأوراق لعرقلة أو تخريب الأهداف الروسية، أو في الحد الأدنى، جعلها مُكلفةً أكثر من اللازم.

لذا، حرص الروس منذ نزولهم على الأرض في سوريا، قبل ثلاث سنوات، على استعداء أو استفزاز أحد من الأطراف الفاعلة بطريقة مباشرة.

وتمكنوا، بفضل هذه السياسة، من اكتساب موقع القوة الفاعلة والمقررة في سوريا.

ويمكن، على خلفية كهذه، فهم آليات التنسيق والتعاون التي أنشأوها مع الإسرائيليين. فقبلوا، من حيث المبدأ، بحق الإسرائيليين في شن غارات على مواقع في سوريا، شريطة عدم تعريض قواتهم ومنشآتهم للخطر، كما تعهدوا بعدم تمكين النظام من الحصول على رادارات ومنظومات متطورة يمكن أن تشكّل خطراً مباشراً على الإسرائيليين.

وبهذا المعنى، يبدو من المفهوم والضمني أن يكون الروس قد حصلوا على معلومات مسبقة عن نشاط الطيران الإسرائيلي، في الأجواء السورية، على مدار السنوات الثلاث الماضية. وهذا يصدق على نشاط الأميركيين العسكري في سوريا، أيضاً.

ومع ذلك، يبدو أن آلية التنسيق، والحصول على معلومات مُسبقة، لم تتسم بما يكفي من الكفاءة والشفافية، علاوةً على حقيقة أن التنسيق، في مناطق عالية التوتر، حتى مع الكفاءة والشفافية، لا يمكن أن يحول بالكامل دون وقوع أخطاء ذات نتائج كارثية.

وهذا ما تجلى قبل أيام في حادث إسقاط طائرة الاستطلاع الروسية، ومقتل طاقمها، في سياق عملية عسكرية للطيران الإسرائيلي، فقد اتهم الروس قادة سلاح الجو الإسرائيلي بالخداع، والافتقار إلى المهنية، وكذلك الإهمال الإجرامي، كما جاء في بيان وزارة الدفاع الروسية، ناهيك عن حقيقة أنهم لم يحصلوا على تحذير مُسبق من الغارة الإسرائيلية إلا قبل وقوعها بدقيقة واحدة، وهي فترة لا تكفي لإعادة توجيه الطائرة إلى منطقة آمنة.

والمُلاحظ في هذا الشأن أن لهجة الروس كانت غاضبة تماماً، وهددوا بعبارات لا تقبل اللبس بتزويد نظام آل الأسد بمنظومات صاروخية متطورة، وتكلموا عن حقهم في الرد، ولم يقبلوا محاولات الاعتذار الأولية من جانب الإسرائيليين، بل طالبوا بعقاب العسكريين، سواءً الطيارين أنفسهم، أو قادة سلاح الجو، الذين تسببوا في إسقاط الطائرة.

ومع ذلك، ورغم الغضب الروسي، وما تجلى في تصريحات بعض الإسرائيليين، خاصةً وزير الدفاع، من استفزاز، إلا أن الطرفين لا يملكان القدرة على التصعيد إلى حد يهدد بنسف قواعد اللعبة، والدخول في مجابهة مباشرة قد تؤدي إلى حرب إقليمية كبرى في الشرق الأوسط.

فالأمريكيون لا يريدون التصعيد، أو التورط أكثر مما يجب في الشرق الأوسط، وإسرائيل، رغم قدارتها العسكرية، لا تستطيع المجازفة بتحدي الروس. والروس أنفسهم لا يريدون أن يجدوا أنفسهم في وضع يشبه المستنقع الأفغاني.

لذا، لن يجازف الروس والإسرائيليون بقلب قواعد اللعبة، وتحويل إسقاط الطائرة إلى مُبرّر لمجابهة مباشرة، ففي الصعود إلى شجرة عالية، والإصرار على البقاء هناك، ثمة صعوبة حقيقية، ومخاطر كثيرة.