رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي (أرشيف)
رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي (أرشيف)
الأربعاء 26 سبتمبر 2018 / 20:24

الديموقراطية وعمايلها

لم تكن بريطانيا العظمى، قبل سنتين، تخطط لخروج حقيقي من الاتحاد الأوروبي، يبدو أنها كانت تهوش، وتلوح فقط باستفتاء "البريكسيت"، لكسب امتيازات إضافية من الاتحاد الأوروبي.

بالعربي الفصيح بريطانيا العظمى تقول إنها لن تدفع فاتورة الخروج من الاتحاد الأوروبي

كانت بريطانيا تثق أن لعبة الديمقراطية، هي لعبتها، وأن البريطانيين سيصوتون للبقاء في الاتحاد الأوروبي، لكن الديمقراطية خانتْ بريطانيا التي لم تتحوط، ربما بسبب الغرور، من الديمقراطية التي أصبحت مثل نونة الشعنونة، ونونة تأخذ صف الشعبويين أحياناً. 

مع اقتراب موعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، في 29 (آذار) مارس 2019، كان لقاء القمة الاستثنائية، الأسبوع الماضي، بين رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، وبين قادة الاتحاد الأوروبي في النمسا، وتحديداً في مدينة سالزبورغ، المدينة التي وُلد فيها المؤلف الموسيقي العظيم فولفغانغ أماديوس موزارت، وهو توافق، أو صدفة مشؤومة في رأي الموسيقيين حول العالَم، الذين ينفرون من مجرد الجمع بين موضوع القمة السياسي، وبين الاقتراح الجمالي لبعض المسؤولين عن تنظيم القمة، في أن تُشنف آذان القادة الأوروبيين، أثناء الراحة، والطعام الخفيف الفاخر، سوناتات موزارت.

ذهبت تيريزا ماي للاتحاد الأوروبي بخطة "تشيكرز"، وهي خطة حول العلاقات التجارية المستقبلية بين الطرفين، وتنص الخطة على بقاء العلاقات التجارية الوثيقة بين الاتحاد الأوروبي، والمملكة المتحدة بعد انفصال "البريكسيت"، وتشدد الخطة، على إقامة منطقة تبادل حر للمنتجات الزراعية والصناعية، مع إنهاء حرية تنقل المواطنين الأوروبيين في أراضي المملكة المتحدة، وعدم التزام المملكة المتحدة برقابة محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي.

بالطبع طلبات تيريزا ماي مُضحكة، وهي تفريغ صارخ لمعنى "البريكسيت"، وانتقاء وقح للامتيازات فقط. بالعربي الفصيح بريطانيا العظمى تقول إنها لن تدفع فاتورة الخروج من الاتحاد الأوروبي، وإذا كان عاجبكوا. يبدو أن المملكة المتحدة تتعامل بذكرى قوتها الغابرة في ما قبل الحرب العالمية الثانية.

كان رد القادة الأوروبيين على تيريزا ماي، خليطاً مؤلماً من السخرية والإهانة والإذلال. "متريرك الاتحاد الأوروبي، المعلمة أنجيلا ميركل على سن ورمح، دخلت على مجموعة من قادة الاتحاد، ومعاهم رئيسة وزراء بريطانيا. أنجيلا سلمت على المجموعة كلها، وجتْ عند تيريزا، راحتْ لفَّة وشها، ومصدَّرة ضهرها".

خرجت الصحف البريطانية، بعناوين عن إذلال وإهانة تيريزا ماي، وانكسار خطة "تشيكرز".

وتصدرت الصفحات الأولى، صور فوتوغرافية لتيريزا ماي، وحيدةً منعزلةً، تلتفت إلى الكاميرا بحلتها الحمراء القصيرة الكلاسيك، التي لا تنسجم كثيراً مع قامتها الفارعة، تلتفت في غربة، بينما قادة الاتحاد الأوروبي يُعطون ظهورهم لها وللكاميرا.

أوضحت تيريزا ماي أن بروكسل تقترح خيارين لا ثالث لهما بشأن العلاقات مع لندن، بعد انسحابها، وهما إما بقاء المملكة المتحدة في السوق المشتركة، مع بقاء اعتمادها على الاتحاد الأوروبي، ودون إبرام اتفاقات تجارية مع دول أخرى، أو اتفاقية تجارة حرة بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، مع بقاء إيرلندا الشمالية ضمن الاتحاد الجمركي الأوروبي.

رفضت تيريزا ماي الخيارين، وعندما عادت إلى بريطانيا، حاولت إظهار الوجه القاسي للمملكة المتحدة، ولكن هيهات، الانكسار والإهانة والإذلال، كانت في سالزبورغ، أما القسوة في لندن، فهي بعد فوات الأوان.

طلبت تيريزا ماي من الاتحاد الأوروبي، أن يُعامِل بريطانيا بمزيد من الاحترام، وشددت على أن إيرلندا الشمالية جزء لا يتجزأ من المملكة المتحدة.

ألمحت تيريزا ماي إلى أن الاتحاد الأوروبي يريد ضرب إسفين التفكك في المملكة المتحدة، والغريب أن الاتحاد الأوروبي ألمح أيضاً، إلى أن المملكة المتحدة تريد ضرب إسفين التفكك في الاتحاد الأوروبي.

الكوميدي في فشل السيدة ماي، أن جاكوب ريس موغ، الاسم اللامع في حزب المحافظين، والاسم المرشح أيضاً لتولي منصب رئيس الوزراء بعد ماي، يُعارض خطة "تشيكرز"، ويصفها بأنها خطة خضوع للاتحاد الأوروبي.

ظهر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمام تيريزا ماي، رئيساً قوياً، عندما سخر من الذين شجعوا على انفصال "البريكسيت"، واعتبروه سهلاً، والآن لاذوا بالفرار. من ضمن الحلول التي اقترحها الاتحاد الأوروبي، إجراء استفتاء آخر في المملكة المتحدة، على البقاء في الاتحاد الأوروبي، أو الخروج منه.

وكان رد تيريزا ماي التراجيكوميدي أقرب إلى هذا القول، إن نتيجة الاستفتاء لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في 2016، كانت أعظم مُمارسة ديمقراطية في تاريخ المملكة المتحدة.

كشفت وثيقة داخلية مسربة في الديلي تلغراف، أن السيدة تيريزا ماي، ستُجبر على الاستقالة في (نيسان) أبريل 2019، أي بعد انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ويجري تداول الوثيقة على نطاق واسع بين النواب المحافظين في مجلس العموم، وتقول الوثيقة إن الشعبوي بوريس جونسون في صدارة المتنافسين. الرئيس إيمانويل ماكرون: تاني.. نقول تور يقولوا احلبوه.