الرئيس الفلسطيني محمود عباس وزعيمة المعارضة الإسرائيلية تسيبي ليفني (أرشيف)
الرئيس الفلسطيني محمود عباس وزعيمة المعارضة الإسرائيلية تسيبي ليفني (أرشيف)
الخميس 27 سبتمبر 2018 / 20:21

حول الخطاب ومحاور الضغط

عشية إلقاء كلمته في أمام الجمعية العامة في الأمم المتحدة، التقى الرئيس الفلسطيني محمود عباس برئيسة المعارضة في إسرائيل، تسيبي ليفني.

المحاور الرئيسية الثلاثة لماكينة الضغط تعمل بكل طاقتها، إدارة ترامب وسلسلة العقوبات، حكومة نتانياهو وسياسة الاستيطان والتهجير وتهويد القدس وعزلها، وقانون قومية الدولة اليهودية، "حماس" ومن خلفها جماعة الإخوان وحلم "دولة غزة"

كانت تلك إحدى أوراق الضغط المتلاحقة التي انهالت على الرجل منذ أن تمترس خلف موقفه الرافض بشكل مطلق للدور الأمريكي وسيطاً وحيداً في أي مفاوضات قادمة بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الاسرائيلية.

دور "ليفني" هنا هو خليط مشوش من الوعيد والترغيب، هي "الجزرة" الفقيرة الوحيدة التي جرى التلويح بها للفلسطينيين بعد تسونامي العقوبات الأمريكية، التي شملت المساهمة المالية لأجهزة السلطة الأمنية، ومشاريع البنية التحتية، وبعد تجفيف الدعم الأمريكي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، ومحاولة تصفية "الوكالة" والتشكيك في دورها في سياق تصفية "حق العودة".

يمكن هنا وضع المناورة التي شاركت فيها الدوحة، عبر مندوبها محمد العمادي، لتوقيع اتفاق "تهدئة" بين "الإخوان المسلمين" في غزة وإسرائيل، مقابل بعض التسهيلات الاقتصادية، أحد محاور هذه الحملة بكل ما يحمل في طياته من اعتراف أمريكي وإسرائيلي بشرعية حكم "حماس" في غزة. وهو حلم قديم ومتجدد للجماعة.

يمكن الاسترسال هنا قليلاً في التذكير بطريقة "الجماعة" في تدبيج رسائلها وتوقيتها والتي وصلت ذروتها قبل وخلال حصار الرئيس الراحل "ياسر عرفات" وتوقفت بعد رحيله. وهي رسائل جاءت عبر صيغ متعددة من "العمليات الانتحارية"، إلى عسكرة الاحتجاجات الشعبية وصولاً إلى رسائل "تهدئة" عبر وسطاء، كان الهدف منها جميعها الالتفات إلى "حماس" وعبرها "لجماعة الإخوان" والتعامل معها كبديل لمنظمة التحرير.

وهو الحلم الذي فعلت "حماس" لتحقيقه كل ما من شأنه تفكيك الموقف الوطني الفلسطيني وشيطنة منظمة التحرير، وصولاً إلى حصار عرفات ثم الانقلاب، والآن البحث عن "أوسلو" صغير يسمح لها بحكم قطاع غزة.

حُلم يُغذيه اليمين الفاشي في إسرائيل، ويمهد أمامه السبل منذ قرار أرييل شارون بالانسحاب الأحادي الجانب من قطاع غزة، الذي أسس البنية التحتية لانقلاب حماس، وحتى تصريح زعيم "البيت اليهودي" نفتالي بينيت لصحيفة "معاريف" اليوم بأن "اسرائيل لن تسمح باقامة دولة فلسطينية الى الشرق من الطريق السريع 6، وأن هناك بالفعل دولة فلسطينية في غزة"....

"حماس"، وفي تناغم واضح، واصلت عمليات الحصار من جهتها عبر عقد اجتماع لكتلتها في المجلس التشريعي، الذي انتهت صلاحيته منذ أكثر من 8 سنوات، وبيان الكتلة الذي أعلنه شخص اسمه أحمد بحر، ينزع الشرعية عن الرئيس الفلسطيني "باسم الشعب!".

 كما يمكن احتساب تصريح المتحدث الرسمي باسم حماس سامي أبو زهري، الذي استبق الخطاب، بطريقته التي تحولت إلى مادة للسخرية منذ زمن طويل، وهو ناطق طريف على أي حال يُمكن أن يدس أنفه في أي شأن من شؤون الكوكب دون أن يرف له جفن، قال أبو زهري، إن "أبو مازن لا يمثل سوى نفسه وأن ما سيقوله غير ملزم لأحد".

المحاور الرئيسية الثلاثة لماكينة الضغط تعمل بكل طاقتها، إدارة ترامب وسلسلة العقوبات، حكومة نتانياهو، وسياسة الاستيطان والتهجير، وتهويد القدس وعزلها، وقانون قومية الدولة اليهودية، وحماس" ومن خلفها جماعة الإخوان وحلم "دولة غزة".

 تلك هي المحاور الرئيسية الثلاثة لماكينة الضغط على الموقف الفلسطيني الرافض لـ"صفقة ترامب".

بالمقابل تستدير المعارضة في إسرائيل، وهي معارضة هشة وعاجزة عن التأثير، لتحاول من جهتها تقديم أوهامها عبر تسيبي ليفني، التي عرضت أفكارها لـ "أبو مازن" مع مقدمة مغرية تطالب بعودة السلطة إلى غزة، ورفض منح الشرعية لـ"حماس"، وإشارات من نوع التركيز على حل الدولتين واالتذكير بأن أغلبية الإسرائيليين يفضلون هذا الحل، وهو ما تناغم معه ترامب بشكل مفاجئ إثر اجتماعه بنتانياهو، بحيث بدا وكأنه يستكمل مداخلة ليفني في لقائها مع "أبو مازن" ويتشارك معها التلويح بنفس الجزرة المحزنة.

لا شك أن رثاثة الواقع الفلسطيني، وسياسة التفرد وتجاهل قوة الشارع ورغباته، وتكريس الانقسام والارتجال في اتخاذ القرارات والتعيينات، وتفكيك التحالف التاريخي في منظمة التحرير، ساهمت بشكل حاسم في المآل الذي وصلت إليه الأمور، وسمحت بكل هذه الثغرات التي تسلل عبرها الانقسام والضعف والهشاشة، وفاقمت أزمة الثقة بين النخب السياسية في "المقاطعة" والشارع.

وهو أمر تتحمله أجهزة السلطة وغرفة القرار، التي تواصل الهيمنة على مؤسسات "الدولة" وتطويعها والعبث الضار بدورها وصلاحياتها. وهو ما يمكن احتسابه مساهمةً طوعيةً في ماكينة الضغط، وما سيجعل من أي موقف قد يحمله الخطاب المنشود اليوم ناقصاً وبحاجة إلى إعادة نظر في الكثير من القرارات والتوجهات، ودون ذلك سيبقى الأمر، بخطاب ودون خطاب، تنويعاً على واقع متهالك سيتلاشى في الإهمال والتجاهل.