رئيسة وزراء نيوزيلندا جاسيندا آردين تحمل طفلتها.(أرشيف)
رئيسة وزراء نيوزيلندا جاسيندا آردين تحمل طفلتها.(أرشيف)
الجمعة 28 سبتمبر 2018 / 18:56

أطفال في الأمم المتحدة

للأسف، ما أن تقرر المرأة في مجتمعاتنا ترك دراستها أو عملها بشكل مؤقت بغرض التفرغ لطفلها، حتى يتفّق أهلها وأصدقاؤها، وكتّاب المدونات، والإعلام، والكون أجمع، على أن يشيدوا لها عالماً وردياً خرافياً

كان الأطفال الرضع السمة الألطف لاجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة. فمنهم من تباكى من "الحصار" المزعوم على دولته. ومنهم من دخل في نوبة غضب ليقرر اتهام الصين بالعبث في انتخاباته. ومنهم نيفي تي أروها، والتي نامت بين ذراعيّ والدها فيما راحت والدتها جاسيندا آردين، رئيسة الوزراء النيوزلندية، تمثّل دولتها.

لن أستطيع إحصاء كل العوامل التي يسرت مهمة "آردين المجد"، وجعلتها تتقن دوريها معاً. فتكفي الإشارة إلى أن معاليها تتمتع بـ "البطانة الصالحة" التي يبدو أنها تصدقها القول حول التحديات الحقيقية للجمع بين العمل والأمومة.

فللأسف، ما أن تقرر المرأة في مجتمعاتنا ترك دراستها أو عملها بشكل مؤقت بغرض التفرغ لطفلها، حتى يتفّق أهلها وأصدقاؤها، وكتّاب المدونات، والإعلام، والكون أجمع، على أن يشيدوا لها عالماً وردياً خرافياً؛ عالماً ستتوقف فيه عقارب الوقت، وستثبت فيه الظروف والمعايير، بانتظار عودتها لتُستقبل استقبال الفاتحين.

وفي الواقع، فحتى إذا كان القصد هو تمهيد طريق المرأة نحو التضحيات والتنازلات الصعبة، والأعمال البطولية الخارقة، فإن تمهيده بالأكاذيب وأنصاف الحقائق والخيالات لا يصب في صالحها في نهاية المطاف. بل ستجد بأن هذا الصرح الوهمي يهوى عليها وحدها.

فهذا ما حدث حين ركنت والدة إحدى الصديقات شهادتها الثانوية بغية تربية طفلتها، متشجعة بوعود زوجها بأن طالبة نجيبة مثلها لن تعاني مطلقا ًفي الرجوع إلى الدراسة متى ما رغبت. ولكن حين عادت لتنفض عنها الغبار، وترافق صغيرتها إلى الجامعة، اكتشفت أن شهادتها لم تعد صالحة أصلا ً لتأهيلها لإكمال دراستها.

وهذا ما حدث لصديقة أخرى أُكد لها مراراً وتكراراً بأن ابتعادها عن مكتبها لمدة عامين لن يخل بتوازن مسيرتها المهنية، وذلك لأنها لطالما كانت موظفة مجتهدة، مواظبة، شديدة التفاني، صارمة في احترام الوقت والمهام المُلقاة على عاتقها.

ولكنها صُدمت خلال مقابلة العمل بالصراحة الجارحة والمُريحة في الوقت ذاته لمسؤول التوظيف، والذي اعترف بأن الأولوية هي للعزباوات. فعلى الرغم مما عهدوه من انضباطها السابق، وحسها العالي بالمسؤولية، هي الآن باتت مُرشحة إلى أن تنصرف قبل انتهاء مناوبتها بنصف ساعة كاملة –والعياذ بالله- لتعتني بذلك الكائن الذي أنجبته.

ويا لشيوع أنموذج الأم التي تترجّل عن منصبها بسبب إيهام الآخرين لها بأن شهادتها ستسعفها متى ما قررت العودة إلى العمل. فترجع المسكينة لتغرق في واقع جديد صار يتفوق عليها فيه الآخرون فنياً وتقنياً، حتى وإن كانت –على الورق- لا تقل عنهم من حيث المؤهلات الأكاديمية. ولكم أن تتخيلوا ما الفارق الذي تحدثه 5 سنوات فقط في بعض المجالات سريعة التطوّر.

لن أشكك في رغبتكم الدفينة في دعم الأمهات لاتخاذ القرار الذي يسعدهن ويرضيهن. ولكن طالما ترفضون مواجهتهن بالواقع المعقّد وغير المثالي الذي ينتظرهن إبان عودتهن إلى سوق العمل، فأنتم لا تختلفون عمن يقفون ضدهن.