السبت 29 سبتمبر 2018 / 19:54

أزمة سليماني ونصر الله

في بداية سبتمبر وقعت أزمة سياسية ليست بالهينة بين حسن نصر الله أمين عام حزب الله اللبناني والجنرال قاسم سليماني قائد القوات الإيرانية المقاتلة في سوريا، فبعد فترة طويلة من خدمة حسن نصر الله لأهداف إيران التوسعية، ضد بلده لبنان وضد بلاد العرب جميعاً، ظهر أن العلاقات بينه وسليماني تشكو من عارض مرضي خطير. من دون كلمة إلى الجنرال الإيراني، أعاد نصر الله إلى لبنان نحو 5000 جندي من جنود "حزب الله" تاركاً الجبهة السورية وراءه، ومعها سر انسحابه الذي لم يكشف إلى اللحظة بصورة حاسمة. وهكذا حرم سليماني من أكثر من نصف القوة القتالية الموضوعة تحت تصرفه في سوريا، وقد كان في ذلك خسارة كبيرة لسليماني، لأن التقارير العسكرية الدولية تقول بأن القوة المنسحبة لا تقارن بمقاتلي الميليشيات الباكستانية والعراقية، وقد أصرّ نصر الله على تجاهل أوامر سليماني بإعادة ما لا يقل عن نصف قوة حزب الله التي أعادها إلى لبنان.

لم يعد سراً تشكيك أمين الحزب في التكتيك الذي يتبعه الجنرال في سوريا، فانهيار جسر المودة المفاجئ بين رجل إيران في لبنان وقائد العمليات العسكرية الإيرانية في الشرق الأوسط، أحدث عاصفة مدوية لم تبق في دائرة حزب الله وإنما تسببت في نوع من الفوضى في ميليشيات أخرى تقاتل بقيادة سليماني في سوريا.

حاول الجنرال سليماني أن يعود للعبة تحريك الدمى، بالعودة إلى طهران وانطلاقاً من الحرس الثوري وقوات النظام، وقد حاولوا جميعاً أن يقنعوا نصرالله بأنه بعد إشرافه على العديد من المعارك الحاسمة في الحرب السورية، سيكون من الخسارة أن ينسحب عندما تكون الحملة الأخيرة على إدلب قد أوشكت على الانتهاء، إلا أن حسن نصر الله استمر في وضع سلسلة من الشكاوى أمام كبار المسؤولين والقادة في حزب الله من تكتيكات سليماني في سوريا. لقد انتقد نصر الله قرار الجنرال بتفريق عدد كبير من قوات الحرس الثوري الإيراني وقواعد الميلشيات المكشوفة في جميع أنحاء سوريا، مؤكداً أن القوة الجوية الأمريكية والإسرائيلية ستحولها قريباً إلى رماد وقاع صفصف. الأمر الآخر المزعج بالنسبة لحسن نصر الله، من سلوك ومنهجية قاسم سليماني، هو رداءة أداء الميليشيات التي يعتمد عليها سليماني ويثق بها. بالنسبة لنصر لله، تلك المليشيات القادمة من باكستان وأفغانستان ضعيفة التدريب والتأهيل وغير مؤهلة للقتال ولا يمكن الثقة بها.

تمزق علاقة نصر الله وسليماني، أدت إلى اتساع عيون قادة الميليشيات الأخرى والتفاتهم بصورة أكبر لطريقة تعامل الجنرال الإيراني الذي يصدر الأوامر ويتوقع الطاعة العمياء باعتبارها الشكل الوحيد المقبول للتواصل. هؤلاء صاروا اليوم يلتفون من وراء ظهر القائد الإيراني ويوجهون رسائلهم إلى حسن نصر الله الذي يرونه قد تحدّث بما في نفوسهم.

انسحاب حزب الله من سوريا لم يكن بلا ثمن، فقد كان الانسحاب من معظم شرق سوريا إلى لبنان بمثابة حافز لمعارك عنيفة على الأرض بين ميليشيات سليماني والثوار السوريون ، لا سيما في منطقتي دير الزور وأبو كمال، وقد وقعت خسائر كبيرة في الأرواح لدى الطرفين. هنا تصرفت القيادة الروسية في سوريا وقامت بنشر الشرطة العسكرية الروسية على جسور نهر الفرات لمحاولة الفصل بين المتحاربين، ثم انتهى الأمر إلى الاتفاق الروسي- التركي بخصوص إدلب.

هذا الخلاف بين الرجلين قد سبب هزة واضحة. لكن الذي حدث بعده هو أن الأمين العام لحزب الله قد عاد من جديد للظهور عبر التلفزة ناصحاً الحكومة اللبنانية أن تنأى بنفسها، ولم ينأ هو بنفسه عن القول "إن حزب الله باق في سوريا حتى إشعار آخر" بل وأعلن تضامنه مع إيران ضد العقوبات التي ستطبق عليها. لا أدري ما الذي حدث تحديداً، لكن ليس من الصعب تخيله، فالرحلات المكوكية لوزير خارجية إيران محمد جواد ظريف إلى سوريا ولبنان كفيلة بإعادة حسن نصر الله إلى الحظيرة الإيرانية والطاعة العمياء لها ونسيان "جرح الكبرياء" الذي تجلى في خلافه مع سليماني.

 سحب نصر الله لنصف قوات حزب الله قد اتضح أنه بسبب خلاف وجرح كبرياء شخصي، شعر به حسن نصر الله تجاه سليماني الذي يصدر أوامره ولا ينتظر إلا الطاعة العمياء. لكن نهاية هذا لقصة تؤكد أن ارتباط حزب الله ونصر الله نفسه بإيران سيبقى مشكلة كبرى للبنان وتوريطاً للبلد الجميل في مشكلات مالية واقتصادية قادمة في الهواء، جراء ربط لبنان بما سيوقع على إيران من عقوبات، كل ذلك سيبقى مشكلة حتى إشعار آخر.