القاضي بريت كافانو وكريستين فورد.(أرشيف)
القاضي بريت كافانو وكريستين فورد.(أرشيف)
الأربعاء 3 أكتوبر 2018 / 20:20

صراع في الداخل

قد يتسامح الجمهوريون مع السناتور جيف فليك في هجومه الدائم على الرئيس ترامب، إلا أن موقفه من ترشح القاضي كافانو للمحكمة العليا، يُعتبر خيانة عامة للحزب الجمهوري

كان الخميس الماضي بداية عاصفة جديدة في حياة السياسة الأمريكية. ضحية جديدة من ضحايا الاعتداء الجنسي، وهي أستاذة علم النفس، السيدة كريستين بلاسي فورد 51 عاماً، تدلي بشهادتها أمام مجلس الشيوخ، متهمة القاضي بريت كافانو 53 عاماً، بأنه اعتدى عليها جنسياً أثناء حفلة طلبة في المرحلة الثانوية، منذ 36 عاماً. كافانو الجمهوري، مُرشَّح ترامب، لمنصب المحكمة العليا، وهو أرفع مناصب القضاء في الولايات المتحدة الأمريكية، وعرش المحكمة العليا، تسعة قضاة، يُمارسون عملهم مدى الحياة.

كانت السيدة فورد تقرأ شهاتها من أوراقٍ أمامها، وهي شهادة مؤلمة، عاطفية. وكان صوتها يرتعش بالألم كلما اقتربتْ بكلماتها من لحظة الاعتداء. السيدة فورد الرقيقة، تبدو وكأنها تجاوزتْ الستين. وكأنَّ الآلام النفسية التي عانتها، اغتصبتْ من عمرها عشر سنوات دون وجه حق. السيد كافانو نفى كل اتهامات السيدة فورد بعصبية زائدة، وانفعال شبه عدواني، واتهم الديموقراطيين بتدمير حياته، وحياة أسرته. السيد كافانو له لازمة عصبية، مُخيفة، وهي قشعرة، ورفع جلد أنفه أحياناً إلى أعلى، واللازمات العصبية نعرف أنها تُستخدم في الدراما، للإشارة بأننا نُشاهِد شخصية شريرة.

لازمة "حميدو" مدير السجن التركي في فيلم "Midnight Express"، أو"قطار منتصف الليل السريع"، للمخرج آلان باركر 1978. "حميدو" ينخر بأنفه، نخرةً عصبيةً، مع لفتة رقبته. "حميدو" الذي يُعذِّب السجناء بيديه، حاول أيضاً اغتصاب البطل في نهاية الفيلم. قفزتْ صورة "حميدو" في ذاكرتي، وأنا أتابع استجواب السيد كافانو.

خطط الجمهوريون للتصويت المبدئي على المنصب المرموق في المحكمة العليا، بعد استجواب السيدة فورد، والسيد كافانو، مُباشرةً، وفي نفس اليوم، وكأنَّ الاستجواب هو تحصيل حاصل، وكأنَّ صدق ادعاء السيدة فورد أو كذبه، لا يعني شيئاً للجمهوريين، فهو فقط لذر الرماد في عيون الديمقراطيين، لكن الديمقراطيين أيضاً لا تعنيهم السيدة فورد، بقدر عنايتهم بكبح نفوذ الجمهوريين، خصوصاً وأن انتخابات التجديد النصفي لم يبق عليها سوى أسابيع، في 6 نوفمبر (تشرين الثاني) 2018.

كان التصويت 11 صوتاً لصالح كافانو، و10 أصوات ضده، إلا أن سيناتور ولاية أريزونا، الجمهوري المعتدل جيف فليك، دائم الهجوم على الرئيس ترامب، يُفجِّر المفاجأة الدرامية، ويطلب من اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ، تحقيقاً من FBI في اعتداء كافانو على السيدة فورد.

قد يتسامح الجمهوريون مع السناتور جيف فليك في هجومه الدائم على الرئيس ترامب، إلا أن موقفه من ترشح القاضي كافانو للمحكمة العليا، يُعتبر خيانة عامة للحزب الجمهوري، ولهذا كان جيف فليك يحتاج إلى لحظة درامية على الهواء مُباشرةً، تُمرر فعلته. ففي مصعد خارج القاعة، تفاجئ السناتور جيف فليك، سيدتان تحثانه على الوقوف مع السيدة فورد، وواحدة منهما تبكي، فتبدو على ملامح السناتور جيف فليك، علامات التأثر الشديد، والسي إن إن تنقل الصورة نقلاً مزدوجاً دراماتيكياً، بين قاعة الاستجواب، وبين المصعد.

كشفتْ شبكة فوكس نيوز بعد يومين من جلسة الاستجواب، أن إحدى السيدتين الباكيتين في المصعد، للسناتور جيف فليك، تعمل لدى جورج سوروس، أي أنها ليستْ مُتظاهرة عادية، أو مجهولة، بل هي محترفة سياسة. اضطرتْ اللجنة القضائية إلى تأجيل التصويت النهائي، وإعطاء ال FBI مدة أسبوع فقط، للتحقيق في اعتداء كافانو على السيدة فورد، على أن يكون التحقيق محدوداً، وليس موسعاً. انتصار مؤقت للديمقراطيين.

انتقلتْ اللعبة السياسية بين الجمهوريين والديمقراطيين، إلى مستوى آخر، ومن اليوم التالي الجمعة، بدأ الديمقراطيون في انتقاد البيت الأبيض، لأنه يحد، ويُقيد عمل ال FBI، بفترة زمنية محدودة جداً. ينفي ترامب تقييد عمل ال FBI، ويتهم وسائل الإعلام الديمقراطية بالكذب. يكتب جيمس كومي مدير FBI السابق، الذي أقاله ترامب، مقالاً في "نيويورك تايمز"، ينتقد فيه، الأسبوع الواحد الذي مُنح للـ FBI، كي تمارس عملها، ويقول كومي: إذا كانت الحقيقة هي الهدف الوحيد، فلن تكون هناك ساعة محددة لها.

تظهر سيدتان جديدتان، تعرضتا لاعتداء جنسي من قِبَل القاضي بريت كافانو في الثمانينيات من القرن الماضي، واحدة منهما قالتْ بأن FBI لم يتصل بها رسمياً لاستجوابها، إلى حين كتابة هذه السطور، وكأنّ ال FBI سيعمل بأوامر التحقيق المحدود، غير الموسَّع، وضد رغبة الديمقراطيين. يظهر صديق من أيام الدراسة، يؤكد على العادات الثقيلة لكافانو في شرب الكحول، وهو ما نفاه كافانو سابقاً أمام لجنة الاستجواب.

يفتح الديمقراطيون جيوباً جديدة في المعركة، إذا يقولون: لماذا منع الجمهوريون اختيار باراك أوباما للقاضي ميرك غارلاند، للمحكمة العليا، بحجة واهية، وهي أن مدة ولاية أوباما في 2016، قاربتْ على الانتهاء، والأفضل أن الرئيس القادم، يُرشح قاضياً للمحكمة العليا، محل القاضي المتوفي أنطونين سكاليا. يعرفون أن تعيينات المحكمة العليا مدى الحياة، وهي أثمن من وصول رئيس جمهوري إلى الرئاسة. بتلك التعيينات يضمنون نفوذاً قوياً عدائياً في قضايا الإجهاض والمثليين والعمال.

يستشهد الديموقراطيين بنكتة الممثل الكوميدي الأمريكي، والمعلق السياسي الشهير "بل ماهر"، الذي يقول: يأتي الديموقراطيون دائماً في مُبارَزَة ضرب النار مع الجمهوريين، بسكينٍ.