المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل والرئيس التركي رجب طيب اردوغان.(أرشيف)
المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل والرئيس التركي رجب طيب اردوغان.(أرشيف)
الجمعة 5 أكتوبر 2018 / 11:56

من الصين وروسيا إلى ألمانيا.. سيرك أردوغان الدولي

عرض الصحافي التركي المخضرم، بوراك بكديل، مجموعة من تناقضات أردوغان السياسية التي صاحبته في مسيرته السياسية طوال سنوات. وذكر في معهد "غايتستون إنستيتيوت" الأمريكي أنّ الرئيس التركي يفعل ذلك طوال الوقت.

تحتاج تركيا للتكنولوجيا والاستثمارات والأموال الألمانية. لكنها كلها عاجزة عن إزالة غياب التطابق بين الثقافات الديمقراطية لكلا البلدين

حين كان رئيساً للوزراء سنة 2009، اتهم الصين بارتكاب إبادة جماعية بعد مقتل مئات الأويغور. بعد أقل من عقد، ومع اكتشافه "الأوراسية"، يناقش أردوغان والرئيس الصيني تعزيز التجارة بينهما ويرفضان التعامل بالدولار.

في 2015، أسقطت مقاتلة تركية طائرة حربية روسية على الحدود مع سوريا. ردت روسيا بقوة سنة 2016 بفرض عقوبات عليها. ولأنه خاف من أن تفرض موسكو مزيداً من العقوبات بما فيها تلك العسكرية، وصف أردوغان العلاقات التركية مع واشنطن بأنها "شراكة استراتيجية". إنّ اعتذار أردوغان عن إسقاط المقاتلة أنهى العقوبات الروسية سنة 2016، ومرة أخرى، اكتشف الرئيس التركي مناهضته للغرب وتأييده للأوراسية. هذه المرة، وصف أردوغان العلاقات التركية الروسية بأنها شراكة استراتيجية. ستنجو هذه الشراكة على الأرجح حتى يضطر أردوغان إلى اللجوء لشركائه الأطلسيين بعد خلافاته المحتملة والجدية مع روسيا حول مصير سوريا.

"وقت روسيا".. حتى الآن
حتى الآن، ترى تركيا الولايات المتحدة حليفاً جاحداً على عكس روسيا. في وقت سابق، فرضت إدارة ترامب رسوماً على الصلب والألومنيوم التركيين فيما خسرت العملة التركية 40% من قيمتها منذ بداية هذه السنة. وجد الحليفان الاسميان نفسيهما داخل مجموعة من الخلافات الجيواستراتيجية وغيرها بما فيها احتجاز قس أمريكي بسبب تهم مزيفة حول علاقته بالإرهاب والتجسس. بالنسبة إلى أردوغان لا يزال الوقت الآن "وقت روسيا". في أغسطس (آب)، افتتحت موسكو وأنقرة نقاشاً حول التجارة بعملتيهما ومقاطعة الدولار. في سبتمبر (أيلول) قال أردوغان إنّ حكم الدولار كعملة للتجارة العالمية يجب أن يصل إلى نهاية.

زيارة لصاحبة "الممارسات النازية"

يتابع بكديل فيصل إلى ألمانيا. في 2017 حثّ أردوغان الألمان من أصول تركية على عدم التصويت للمستشارة أنجيلا ميركل، واصفاً ائتلافها الحكومي ب "أعداء تركيا" وبأنّ دولتها تلجأ إلى "ممارسات نازية". إنّ لائحة الخلافات بين تركيا وألمانيا ليست أصغر من تلك التي تفرّق تركيا والولايات المتحدة. تضم لائحة الخلافات الألمانية التركية استمرار تآكل الديمقراطية، الحكم الاستبدادي الأحادي لأردوغان ونشاطات منظمة إسلامية ترعاها الحكومة التركية داخل ألمانيا وهي غالباً متهمة بزرع التطرف واللاسامية في بعض المساجد الألمانية. وتدهورت العلاقات الثنائية أكثر مع قرار ألمانيا في وقت سابق من هذه السنة تعليق تسليم أسلحة وتقنيات إلى تركيا.

ومع ذلك، قرر أردوغان القيام بزيارة رسمية إلى الدولة نفسها التي يتهمها بالعنصرية والعداء والممارسات النازية. وقبل تلك الزيارة، قال الرئيس التركي: "نريد ترك جميع المشاكل خلفنا بالكامل لخلق بيئة دافئة بين تركيا وألمانيا كما كان عليه الأمر".

أردوغان هو أردوغان
هذا الكلام الصادر عن رجل معروف بمزاجيته وشعبويته القومية وعدائيته للغرب وخطاباته الإسلاموية يعود إلى الوضع الاقتصادي السيئ لبلاده. يحتاج أردوغان إلى تدفق ثابت من الأموال الغربية (التي يكرهها) داخل اقتصاده قبل أن تؤدي إفلاسات متسلسلة إلى تدهور مالية الدولة وتضع حكومته في خطر قبل انتخابات مارس (آذار) المقبل. وهو يحتاج لألمانيا أيضاً كي يحسّن علاقاته مع الولايات المتحدة. لكن أردوغان هو أردوغان والمسار السياسي الذي يريد أن تبقى عليه بلاده إسلاموي جداً، لا ديمقراطي جداً ومؤذٍ جداً للمصالح الغربية. في برلين، اتهم الحكومة الألمانية بإيواء "مئات، آلاف الإرهابيين".

قلق ألماني
إنّ استمرار تراجع القيم الديمقراطية والحريات المدنية في تركيا سيظل مشكلة بين أنقرة ومعظم العواصم الغربية بما فيها برلين. وعبّر الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير الذي استضاف أردوغان عن "القلق إزاء مواطنين ألمان مسجونين في تركيا لأسباب سياسية، وأنا قلق أيضاً بشأن صحافيين أتراك، نقابيين، محامين، مثقفين وسياسيين باقين خلف القضبان .. اليوم هنالك عدد كبير مقلق من الناس من تركيا يطلبون اللجوء هنا في ألمانيا بسبب الضغط المتنامي على المجتمع المدني".

علاقات متجزئة
ستبقى العلاقات بين تركيا وألمانيا متجزئة. تحتاج ألمانيا من تركيا البقاء ملتزمة باتفاق اللاجئين الذي توصلت إليه مع الاتحاد الأوروبي سنة 2016. وتحتاج أيضاً للتعاون التركي في إيقاف تدفق الجهاديين الإسلاميين الموجودين حالياً في سوريا لكن الذين قد يستخدمون الأراضي التركية للوصول إلى أوروبا. هنالك الآلاف من الشركات الألمانية في تركيا وألمانيا هي أكبر شريك تجاري لها. تحتاج تركيا للتكنولوجيا والاستثمارات والأموال الألمانية. لكنها كلها عاجزة عن إزالة غياب التطابق بين الثقافات الديمقراطية لكلا البلدين.