وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني ووزير الخارجية الإيراني جواد ظريف (أرشيف)
وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني ووزير الخارجية الإيراني جواد ظريف (أرشيف)
الجمعة 5 أكتوبر 2018 / 23:55

هل تسمح أمريكا بالتحايل الأوروبي للتهرب من العقوبات على إيران؟

24 - إعداد: ريتا دبابنة

لطالما استخدمت الولايات المتحدة قوتها الاقتصادية والمالية لتحقيق أهداف سياستها الخارجية. إلا أنه في بعض الأحيان، تعارضت هذه "القوة" مع أنشطة الشركات الأجنبية، وفي بعض الحالات، أحبطت أقرب حلفاء الولايات المتحدة. لكن الأسبوع الماضي، أعلن الاتحاد الأوروبي عن خطة جديدة للتهرب من عقوبات واشنطن.

ويشير الكاتب الصحافي في صحيفة "نيويوك تايمز"، بيتر إيفيس، في تقرير مفصل، إلى تصريحات كبيرة الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، الأخيرة، والتي كشفت خلالها عن قيام الاتحاد بإنشاء "كيان خاص للمدفوعات" من شأنه أن يعمل على حماية الشركات غير الأمريكية من الإجراءات الاقتصادية للولايات المتحدة ضد إيران.


وفي الوقت الذي تخلى فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هذا العام، عن الاتفاق النووي مع إيران، كانت إدارته تعيد فرض العقوبات القاسية، في إطار سعيها للحصول على تنازلات من طهران.

وسلط إيفيس الضوء على بعض الأسئلة التي تحوم حول خطة الاتحاد الأوروبي لإنشاء نظام لتحويل الأموال لمساعدة إيران. وبينها: هل يمكن لهذا الكيان أن يساعد في الحفاظ على كمية كبيرة من التجارة مع إيران؟ هل يمكن أن يحميها من العقوبات المالية للولايات المتحدة؟ هل يتطلب الأمر تدخّل أكبر خصوم أمريكا، الصين وروسيا، حتى تنجح الخطة؟

رهانات كبيرة للجانبين
من المتوقع أن تُحارب إدارة ترامب أي محاولة لدعم إيران مالياً. وقالت وزارة الخزانة في بيان، إنه يجري رصد الجهد الأوروبي، وجاء في البيان: "سنراجع بعناية التدابير البديلة التي يجري النظر فيها للتحايل على عقوباتنا، ونحن واثقون من أننا نستطيع منع هذا التهرّب"، فيما وصف وزير الخارجية مايك بومبيو هذه الآلية بأنها "سياسة كارثية".

لكن، يقول الكاتب، الاتحاد الأوروبي "متشوق" لإظهار أن ترامب، لا يمكن أن يُقوض أهم إنجازاته في السياسة الخارجية. والدفاع عن اتفاق إيران يعتبر فرصة جدية للقيام بذلك. يرى الاتحاد الأوروبي أن النظام الجديد هو وسيلة للحفاظ على التجارة مع إيران، جزئياً، للمساعدة في الحفاظ على اقتصاد البلد، من الدخول في حالة أضعف مما هو عليه.


ويرى التقرير، أن الآلية بسيطة، ويكمن تنفيذها بتوفير وسيلة للشركات لنقل الأموال إلى إيران وخارجها، عندما لا تفعل البنوك الغربية ذلك. لكنها تواجه الكثير من الشكوك.

يقول محللون، إن الاتحاد الأوروبي لا يتوقع أن يتطور نظام الدفع بالكامل. بدلاً من ذلك، يمكن أن تكون هذه الآلية "مبادرة" من أوروبا، للمساعدة في إقناع إيران بالالتزام بالاتفاق النووي.

لكن محللين آخرين حذروا، بحسب التقرير، الولايات المتحدة من التقليل من شأن التزام الأوروبيين، لا سيما التزام موغيريني، التي شاركت في مفاوضات عام 2015 الرامية إلى كبح برنامج إيران النووي.

يقول المحلل الاقتصادي جاكوب فانك كيركجار، من معهد "بيترسون" للاقتصاد الدولي: "كانت موغيريني هي التي أغلقت الصفقة النووية من الجانب الأوروبي، إن وسيلة الدفع هذه ليست مجرد بادرة سياسية، فبالنسبة لها، إنها مسألة شخصية بحت".


انسحاب الشركات الكبرى
ربما يكون التحدي الأكبر للجهد الأوروبي هو أن الشركات الغربية الكبيرة، لن تحتاج إلى كيان الدفع هذا، لأنهم ببساطة لن يقوموا بأي عمل تجاري مع إيران. يقول إيفيس: "انسحبت عشرات الشركات متعددة الجنسيات من إيران بعد انسحاب الولايات المتحدة من الصفقة النووية، ولن ترغب في المخاطرة بالعقوبات".

وفي وقت سابق، قال الرئيس التنفيذي لشركة "توتال" النفطية الفرنسية، باتريك بويانيه، في مقابلة: "لا نريد أن نتحمل المخاطرة في أن تُدمر شركة توتال من قبل الرئيس ترامب".

وكانت توتال خططت للاستثمار في إيران، لكنها ألغت هذه الخطط هذا العام. 


يلفت تقرير "نيويورك تايمز" إلى أن مثل هذه الشركات لن تسمح بأن تقحم نفسها بمخاطر مالية، إذ تذكر هذه الشركات الغرامات الكبيرة، والفترة الملتهبة التي عانت خلالها البنوك الأوروبية قبل بضع سنوات، لتسوية الاتهامات بأنها قد تهربت من عقوبات الولايات المتحدة ضد إيران.

وأفادت تقارير هذا الأسبوع، بأن سلطات الولايات المتحدة قد تتعرض قريباً لـ"ستاندرد تشارترد"، وهو بنك بريطاني، مع عقوبات جديدة تتعلق بأعمال سابقة تخص إيران.

فرنسا تواجه طهران
من جانبها، أضفت فرنسا طابعاً آخر في العلاقات مع إيران هذا الأسبوع، حيث جمدت أصول وزارة الاستخبارات الإيرانية، بعد ربطها بمؤامرة خُطط لها في يونيو (حزيران). وتصر فرنسا على أنها تستطيع معاقبة إيران على أعمالها العدائية، لكنها لا تزال جزءاً من الاتفاق النووي.

ويشير التقرير إلى أن الاتحاد الأوروبي قد يواجه عقبة كبيرة محتملة، كاحتمالية عدم رغبة البنوك في أن يكون لديها أي اتصالات مع "كيان الدفع" المزمع تطبيقه.

أما البنوك التي تتعامل مع هذا الكيان، فمن الممكن أن تخضع لعقوبات أمريكية. وإذا لم تتصل البنوك الغربية بالكيان، فلن تكون لدى الشركات الأوروبية أي وسيلة للحصول على المال من وإلى آلية الدفع.

يقول الكاتب، إن الاتحاد الأوروبي يمكن أن يحاول استخدام مؤسسة مملوكة للحكومة، مثل بنك الاستثمار الأوروبي، لمعالجة المدفوعات داخل وخارج الكيان. لكن، من المرجح أن تكون هذه المؤسسة هي الأخرى، عرضة لعقوبات الولايات المتحدة أيضاً.



"مهمة ضخمة"
وحتى لو تمكن الاتحاد الأوروبي من إنشاء هذا النظام، فإنه يتعين عليه إقناع الشركات بأنه "موثوق به" وآمن إلى درجة أن حكومة الولايات المتحدة لا يمكنها اختراقه.

تقول ريفكا ليتل، مديرة الأبحاث المتخصصة في المدفوعات، في شركة "إنترناشونال داتا كوربريشن"، وهي شركة استشارية، إن "عملية إنشاء هذا الكيان ستكون مهمة ضخمة. العملاء يتوقعون أن يكون لدى الكيان كل الميزات الضرورية، مثل الرسائل، والمقاصة، والتسوية".

وفي عصر أظهر فيه أن شبكات المدفوعات عرضة للإساءة، بحسب التقرير، سيكون على الاتحاد الأوروبي أن يراقب الكيان بشكل دوري ومنتظم، بسبب النشاط غير القانوني.

وعلى الرغم من كل هذه التحديات، إلا أن قناة المدفوعات هذه التابعة للاتحاد الأوروبي، قد تجذب عدداً كافياً من العملاء للمشاركة بها.

الشركات الصينية والروسية
السؤال الكبير الذي طرحه الكاتب هو، ما إذا كانت الشركات الصينية والروسية الكبيرة ستستخدم هذا الكيان في الأعمال التي تستهدفها الولايات المتحدة، مثل التجارة في منتجات النفط والغاز.

وتوقع المحلل كيركجارد، أنها "إشارة مهمة للغاية تدل على أن روسيا والصين ستكونان شريكتان في هذا الكيان".

يلفت الكاتب إلى أن الصين لديها بالفعل خبرة كبيرة في ممارسة الأعمال التجارية في إيران، بموجب عقوبات الولايات المتحدة، ويبدو أنها أقامت قناة للدفعات. ووفقًا لرجل أعمال إيراني بارز، نُقل عنه في مقال نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" في عام 2016، فساعد بنك "كونلون" الصيني في سداد المدفوعات من وإلى إيران. وهو أيضاً هدف لعقوبات الولايات المتحدة.


ولكن، يقول التقرير، قد ينتهي الأمر من جانب الاتحاد الأوروبي، في القول إن إشراك الشركات الصينية أو الروسية قد يؤدي إلى إلحاق أضرار بالغة بعلاقاته مع الولايات المتحدة.

ويضيف: "حتى لو استبعدت هذه الشركات، فقد يجد هذا الكيان شركات حريصة على خيارات بديلة لتحويل الأموال. على سبيل المثال، قد تقوم بعض الشركات الأوروبية الأصغر حجماً بأنواع من الأعمال في إيران، لا تستهدفها العقوبات الأمريكية، مثل صادرات بعض السلع الاستهلاكية، وستجد أن الكيان يوفر وصولاً أسهل".

خطر يهدد واشنطن
ويكمن الخطر بالنسبة للولايات المتحدة في أن آلية الدفعات تمنح الاتحاد الأوروبي خبرة قيمة تعمل خارج نطاق النفوذ المالي لواشنطن، وتصبح جزءاً دائماً من نظام المدفوعات الدولي.

أظهرت رسالة وزارة الخزانة التي أرسلتها بالبريد الإلكتروني هذا الأسبوع، قلق الولايات المتحدة، وقد يتعين على إدارة ترامب في وقت قريب أن تقرر الرد.


يقول المحامي المتخصص في قانون عقوبات الولايات المتحدة، إيريش فيراري، إن "إدارة ترامب قد تفرض عقوبات مباشرة على هذا الكيان الأوروبي أو تضغط على الشركات الخاصة لعدم استخدامه.. وهنا ستكون المواجهة".