عملات غربية.(أرشيف)
عملات غربية.(أرشيف)
الإثنين 8 أكتوبر 2018 / 10:26

كيف تقاوم أوروبا وروسيا العقوبات ضد إيران؟

حذر الصحافي نيكولاس غفوسديف، في مقال نشرته مجلة "ناشونال إنترست" الأمريكية، من أن إجراءات الاتحاد الأوروبي بالتعاون مع روسيا والصين للتحايل على العقوبات الأمريكية ضد إيران قد تشكل تهديداً للهيمنة المالية الأمريكية على الأمد الطويل.

الشركات الأوروبية "الأصغر" ستلجأ إلى تجارة "التخصص" في التعامل مع إيران، ويعني ذلك أن الشركات التجارية ربما تكون قادرة على تسويق النفط الإيراني وشراء السلع بالنيابة عن إيران

ويشير الصحافي إلى إعلان فيديريكا موغيريني، الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، خلال الأسبوع الماضي أن الاتحاد الأوروبي، بالتعاون مع روسيا والصين، سيقوم بإنشاء آلية تسمح لإيران بمواصلة التجارة مع الأطراف الأخرى الموقعة على الاتفاق النووي على الرغم من إعادة فرض العقوبات الأمريكية ضد إيران.

آلية لتسهيل المعاملات مع إيران
وعلى هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، قالت موغيريني: "يعني ذلك، من الناحية العملية، أن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ستقوم بإنشاء كيان قانوني لتسهيل المعاملات المالية المشروعة مع إيران، وهذا سيسمح للشركات الأوروبية بمواصلة التجارة معها".

ويرى كاتب المقال أن تصريحات موغيريني أثارت ردود أفعال في مجتمع السياسة الخارجية الأمريكية اتسمت بالسخرية والشك؛ إذ يعتقد الأمريكيون أن آلية "إنشاء كيان خاص للمدفوعات" غير قابلة للتطبيق من الناحية العملية، كما أن الأوروبيين لن يخاطروا بمصالحهم التجارية والمالية في الولايات المتحدة. وربما يبدو ذلك صحيحاً بالفعل، ولكن الولايات المتحدة تحتاج إلى النظر بجدية في التهديد الذي يشكله اقتراح الاتحاد الأوروبي على النفوذ الاقتصادي الأمريكي.

ويلفت كاتب المقال إلى أنه في عام 2018، لا يزال الدولار الأمريكي الخيار الأمثل لإجراء عمليات التجارة والتمويل على المستوى الدولي؛ حيث إن النظام المالي الأمريكي هو أكثر مراكز المقاصة ملاءمة لجميع أنواع المعاملات. وفيما يتعلق بالسلع التكنولوجية والتقنيات المتقدمة، فإن الاعتماد على شركات دول مجموعة السبع الكبرى G7 هو الخيار المفضل للعملاء في جميع أنحاء العالم.

عقوبات جديدة ضد روسيا
وخلافاً للجولة السابقة من العقوبات الدولية المفروضة على إيران، تعتقد أوروبا أنه طالما امتثلت إيران للاتفاق النووي، فلا سبب لإعادة فرض العقوبات. وبينما تلتزم الشركات الأوروبية الكبرى التي لديها أصول وحسابات في الولايات المتحدة بالعقوبات التي فرضتها الأخيرة ضد إيران، فإن الشركات الأوروبية "الأصغر" ستلجأ إلى تجارة "التخصص" في التعامل مع إيران، ويعني ذلك أن الشركات التجارية ربما تكون قادرة على تسويق النفط الإيراني وشراء السلع بالنيابة عن إيران (الشركات غير المتصلة بالدولار والسوق الأمريكي).

ويوضح كاتب المقال أن موسكو تراقب عن كثب تجربة إيران في التحايل على العقوبات، وتتمعن في مدى إمكانية التوسع في آلية الكيان الخاص للمدفوعات ليصبح أداة أخرى لموسكو لتقليل حدة العقوبات الاقتصادية الأمريكية؛ حيث تخضع روسيا، منذ عام 2014، لعقوبات من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول مجموعة السبع الكبرى لسياساتها تجاه أوكرانيا، كما فرضت الولايات المتحدة عقوبات إضافية نتيجة هذه التجاوزات وغيرها، بيد أن التوقعات السابقة بأن سلوك موسكو يمكن تغييره من خلال تقييد الوصول الروسي إلى الأموال والاستثمار والتكنولوجيا لم يتحقق، ويدرس الكونغرس الأمريكي الآن فرض إجراءات لعقوبات جديدة تستهدف زيادة الضغط الاقتصادي الأمريكي ضد روسيا.

وكما هو الحال مع إيران، تتمتع الولايات المتحدة بعلاقة اقتصادية محدودة مع روسيا مقارنة مع حلفائها في أوروبا والشرق الأوسط وشرق آسيا الذين يسعون إلى تحفيز التعاون مع روسيا في المجالات التي تتوافق مع مصالحهم، كما أنهم كانوا مترددين في الاستمرار في اتخاذ أي خطوات قد تؤدي إلى انهيار الاقتصاد الروسي تماماً؛ ولذلك تدرس الولايات المتحدة أيضاً فرض عقوبات على الشركاء الذين تتعامل شركاتهم ومصارفهم مع روسيا.

التحايل على العقوبات
ويلفت المقال إلى أن موسكو، بالتعاون مع بعض شركائها الاقتصاديين الأوروبيين، قامت بتطبيق بعض الحلول للتحايل على العقوبات الحالية المفروضة على صناعة الطاقة لديها، فعلى سبيل المثال، لم تكن الشركة الفرنسية "توتال" ترغب في الابتعاد عن استثمارها المربح في مشاريع الغاز الطبيعي المسال في القطب الشمالي الروسي، ولكنها أيضاً كانت تخشى المخاطرة بالحد من قيود الاتحاد الأوروبي على الاستثمار في روسيا (بما في ذلك عقوبات إدارة أوباما على روسيا)، لذلك لجأت توتال إلى تمويل استثماراتها في مشروع "يامال" بالتماس التمويل من البنوك الصينية التي يهيمن عليها اليورو واليوان؛ حيث بقيت خارج النظام المالي الغربي بالكامل.

وعلى الرغم من استغلال موسكو للثغرات في قيود العقوبات المفروضة ضدها، لا تزال تفضل الوصول بدون عوائق إلى البنوك والمؤسسات المالية الغربية لتمويل المعاملات بالدولار الأمريكي، وبخاصة لأن استخدام اليوان ليس ملائماً تماماً للتمويل وربما تصبح النسخ الصينية من المنتجات العالية الدقة الغربية أكثر كلفة وأقل موثوقية في نهاية المطاف، ولكن يمكن أن تستمر موسكو في ذلك حتى يعود اقتصادها إلى مستويات النمو المتواضعة.

تهديد الهيمنة المالية الأمريكية
وبحسب المقال، يبدو اهتمام الروس الشديد بمدى تطبيق آلية "إنشاء كيان خاص للمدفوعات" بالنسبة إلى إيران منطقياً حيث إن مثل هذا الأمر سيتطلب إعادة تسعير النفط باليورو إلى جانب الدولار الأمريكي، كما أن الاستخدام المحتمل للروبية الهندية إلى جانب اليوان في تجارة الطاقة الإيرانية مع الهند والصين (لتجنب العقوبات المفوضة على الدولار الأمريكي) من شأنه أن يساعد على تراجع التفوق الهائل للدولار في المعاملات الدولية، ولن يكون الأمر مفاجئاً إذا تم إنشاء كيان خاص للمدفوعات الأوروبية أيضاً. ومن المتوقع أن تسعى روسيا إلى إشراك مؤسساتها المالية والتوفيق بين صفقات اليورو واليوان والروبية، وفي الوقت نفسه ربما تتوسع الشركات الأوروبية (التي جرى تأسيسها للتعامل التجاري مع إيران) في نطاق نشاطها وتشمل روسيا إذا تم فرض عقوبات أمريكية جديدة.

ويختتم مقال "ناشونال إنترست" بحض الولايات المتحدة على أن تأخذ تهديدات الاتحاد الأوروبي بإنشاء كيان خاص للمدفوعات على محمل الجد وتدرس جميع البدائل المتاحة لمواجهة مثل هذا الخطر الذي يهدد الهيمنة المالية الأمريكية على الأمد الطويل.