طالبات فلسطينيات في مدرسة تابعة للأونروا (أرشيف)
طالبات فلسطينيات في مدرسة تابعة للأونروا (أرشيف)
الخميس 11 أكتوبر 2018 / 20:55

رقم كوشنر

ها هو فريق "ترامب" يحاول أن يجعل من تلك النبوءة معجزة، بحيث يتم اخفاء خمسة ملايين فلسطيني وسبعة عقود من النفي بحمولاتها داخل قبعة واحدة

درست في مدارس الأونروا، وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى، في مخيم الكرامة على الضفة الشرقية لنهر الأردن، أستطيع أن أتذكر بقوة طابور الصباح في المدرسة، وحبتي زيت السمك اللامعتين على كف آذن المدرسة أبو أحمد، كف خشنة مبسوطة أمامي وهو يناولني إياها ويتأكد من أنني ابتلعتهما، ثم طاسة "التوتياء" المعلقة في الحزام الخاصة بالحليب الصباحي، الذي كان يصل مبكراً من مطعم الأونروا القريب في أربعة صهاريج نظيفة محمولة على شاحنة صغيرة تحمل تلك الإشارة الزرقاء التي تميز سيارات الوكالة، كانت تصل قبل قرع الجرس، كان ذلك واجباً إجبارياً يجري تحت رقابة صارمة من المدرسين ومدير المدرسة والآذن الطيب الذي حظينا به في مدرسة المخيم الإبتدائية، تلك الوجبة التي تسند فقر عائلات المخيم وتمنح جيش الأطفال فرصاً أفضل في مواجهة الجوع والأمراض وسوء التغذية.

عند الظهر، بعد الحصة الخامسة، سيتوجه الطلاب إلى المطعم القريب لتناول وجبة الغداء قبل أن يعودوا لحصتي بعد الظهر.

وفي أيام الإثنين سيقف طلاب "الثاني ابتدائي ب" شبه عراة أمام طبيب العيادة، وممرضة بدينة وطيبة، حيث يتم تقليبنا وتنبيش أجسادنا الصغيرة الهشة.

يكاد يكون هذا يوماً مثالياً لمدرسة ابتدائية في مخيم للاجئين الفلسطينيين في منتصف ستينيات القرن الماضي.

كان المشهد يتكرر يومياً، باستثناء يوم الجمعة، في نطاق واسع يشمل مخيمات الأردن، وسوريا، ولبنان والضفة الغربية، وغزة، بحيث تبدو "الأةنروا" مثل أم افتراضية تذكرنا دون ملل بأن هذا كلّه مؤقت وقابل للتغيير.

تأسست الأونروا، أو "الوكالة" كما يسميها الفلسطينيون، إثر نكبة 1948، بموجب قرار صادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة حمل رقم 302، في 8 ديسمبر(كانون الأول) 1949 وكانت مهمتها، حسب القرار، تقديم برامج الإغاثة المباشرة والتشغيل للاجئي فلسطين حيث بدأت عملياتها في 1 مايو (أيار) عام 1950.

وشملت خدماتها "التعليم، والرعاية الصحية، والإغاثة، والبنية التحتية، وتحسين المخيمات والدعم المجتمعي، والإقراض الصغير، والاستجابة الطارئة بما في ذلك في أوقات النزاع المسلح".

ومع تواصل الصراع وغياب أي حل لمسألة لاجئي فلسطين، "كانت الجمعية العامة وبشكل متكرر تقوم بتجديد ولاية الأونروا، وكان آخرها تمديد عمل الأونروا لغاية 30 يونيو (حزيران) 2017".

يُعرف قرار تأسيس الأونروا اللاجئين الذين يمكنهم الحصول على خدماتها في مناطق عملياتها والذين تنطبق عليهم صفة "لاجئ" المسجلين لدى الوكالة، بما يشمل أبناء لاجئي فلسطين الأصليين، والمنحدرين من أصلابهم.

عندما بدأت الوكالة عملها في عام 1950، كانت تقدم خدماتها الى ما يقرب من 750 ألف لاجئ فلسطيني. واليوم وضمن التعريف السابق فإن حوالي خمسة ملايين لاجئ من فلسطين يحق لهم الحصول على خدمات الأونروا.

هنا، بالضبط، تحاول إدارة ترامب أن تبني جداراً يفصل بين أجيال اللاجئين وتكتفي بالرقم الأول 750 ألفاً الذي ظهر في العام 1950، متتبعة خط الموت عبر سبعة عقود لتصل الى رقم جاريد كوشنر، الذي توقف عند 50 ألفاً من المعمرين الذين لم يموتوا بعد، والذين على وشك الموت بحيث يختفي الرقم نهائياً.

تلك نبوءة صهيونية مبكرة رددها بن غوريون وأعادت ترديدها غولدا مائير، ويواصل أحفاد وأبناء المستعمرين ترديدها في كورس، متماثل يضم اليسار، واليمين في دولة الاحتلال: "الكبار يموتون والصغار ينسون".

وها هو فريق ترامب يحاول أن يجعل من تلك النبوءة معجزة، بحيث يتم اخفاء خمسة ملايين فلسطيني وسبعة عقود من النفي بحمولاتها داخل قبعة واحدة.

الدفاع عن "الوكالة" يتجاوز فكرة دورها الخدماتي الذي ساعد، دون شك، في استعادة الفلسطينيين لجزء من حياتهم، التعليم والصحة على وجه الخصوص، ولكنه يذهب أعمق من ذلك وأبعد، حتى لدى أولئك اللاجئين الذين لم يعودوا بحاجة لخدمات الحد الأدنى تلك.

هو بالضبط دفاع عن فكرة "العودة" نفسها، عن "حق العودة" الذي ينبع من صفة "لاجئ"، ببساطة عليك أن تكون "لاجئاً" لتملك حق المطالبة بالمكان الأول، "العودة"، وهذا بالضبط ما يحاول كوشنر أن ينتزعه من أكثر من خمسة ملايين فلسطيني.

هذا ما يعنيه رقم كوشنر القادم من نبوءة الجلاد.