حاكم الشارقة الشيخ سلطان بن محمد القاسمي يتسلم شهادة الدكتوراه الفخرية (أرشيف)
حاكم الشارقة الشيخ سلطان بن محمد القاسمي يتسلم شهادة الدكتوراه الفخرية (أرشيف)
الخميس 11 أكتوبر 2018 / 21:12

ماذا تعني الدكتوراه الفخرية لسلطان القاسمي؟

رسَّخت دولة الإمارات العربية المتحدة تأسيسها الثقافي والحضاري الرائد من خلال مشاريع كبرى للتواصل الحضاري مع الآخر

من الذي يكتب التاريخ وكيف يكتبه؟ ولماذا؟ هذه أسئلة إشكالية تاريخية كونية وأزلية، فكتابة التاريخ ليست بالأمر البسيط وإنّما تكتنفها صعوبات عدة يأتي في مقدمتها مدى توافر الموضوعية والحيادية بعيدًا عن التأويلات والمؤثرات السياسية والآيديولوجية العقائدية وحتى الثقافية التي ربما يصدر عنها بعض المؤرخين.

نحن أمام تدوين بشري يحتفي بتواريخ الجماعات الكونية، فكل جماعة بشرية تحتفي بتواريخها، وملاحمها السردية الكبرى، التي قد تختلف عن سرديات الجماعات البشرية الأخرى، كما يقول المنظر ما بعد الكولونيالي هومي بابا.

شكل هاجس تفكيك التاريخ ومساءلته وإعادة كتابته اعتماداً على بعض المصادر النادرة التي لم يُكشف عنها النقاب من قبل الهاجس الرئيس المحرّك لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى لاتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة حاكم الشارقة. فمنذ أطروحته للدكتوراه "القواسم والعدوان البريطاني1797-1820" إلى مؤلفاته التاريخية التالية، والدكتور سلطان القاسمي يسكنه هاجس تفكيك التاريخ، وتفكيك التاريخ لديه ليس بغرض الإدانة التاريخية ومحاكمة الآخر، وإنّما يأتي هذا التفكيك بحثاً عن الحقيقة الغائبة بسبب عشرات من المسلمات التاريخية التي غيّبتها وطمستها.
كما أن هاجس تفكيك التاريخ يأتي عنده لتحقيق التواصل الثقافي والحضاري بين شعوب تميزها خصوصيتها الثقافية، وتجمعها بعض المشتركات الإنسانية، والثقافية، والحضارية مع الآخر.

قبل أيام قلائل منحت جامعة كويمبرا البرتغالية العريقة، الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي درجة الدكتوراه الفخرية اعترافًا منها بدوره في دعم الإنتاج الثقافي والأدبي والتاريخي، ورعايته من خلال مشاريعه التأسيسية الرائدة محليًا وعالميًا.

وهناك مؤلفان تاريخيان للشيخ القاسمي على صلة بتاريخ المنطقة وتاريخ السيطرة البرتغالية على منطقة الخليج العربي في القرن السادس عشر الميلادي، ونشرهما أخيراً. الكتاب الأول عنوانه "بيان المؤرخين الأماجد في براءة ابن ماجد"، والثاني"رحلة بالغة الأهمية".

في الكتاب الأول عاد الدكتور القاسمي إلى أدلة نصية من مخطوطات عثر عليها قبل سنوات، وهي تثبت بالدليل القاطع براءة البحار العربي ابن ماجد من تهمة إرشاد فاسكو دي غاما إلى الهند، فالحقيقة أن الذي أرشده وفقاً لهذه الوثائق هو دليل هندي غجراتي مسيحي. أما في كتاب "رحلة بالغة الأهمية، المخطوطة الكاملة لكتاب دوراتي باربوزا 1565" فعاد الدكتور القاسمي إلى مخطوطة برتغالية ظلت مفقودة لمدة قرن كامل، واقتناها الدكتور القاسمي عام 2012، وتعود أهميتها إلى أنها رحلة الرحالة البرتغالي دوراتي باربوزا، إلى مناطق عدة منها جلفار، والشارقة، والبحرين، والقطيف، ومضيق هرمز.

ومثل هذه الرحلات كانت تُعامل معاملة الوثائق السرية للغاية، وذات طبيعة سردية توثيقية لتواريخ المنطقة، وتُرسل أولاً بأول إلى المكاتب الملكية بلشبونة.

وبين الدكتور القاسمي أن هذه الرحلة تكتسب أهميتها في الرسائل التي كان يسعى باربوزا إلى إيصالها بين السطور، حيث وصف فيها منطقة الخليج العربي والمكانة الحضارية، والاجتماعية التي تحلى بها العرب والمسلمون آنذاك، والتعايش وعلاقاتهم الطيبة مع الديانات والأقليات الأخرى والزائرين للمنطقة.

كما بين باربوزا المعاملة الحسنة التي تلقاها من أهل الخليج العربي. لقد أتاح الدكتور القاسمي هذه الوثيقة النادرة للمتلقين بثلاث لغات هي البرتغالية العربية والإنجليزية. وتكتسب ترجمة هذه الوثيقة إلى هذه اللغات الثلاث المهمة أهمية كبرى في سعي الدكتور القاسمي لإتاحة مصادر المعرفة الحقيقية أمام الآلاف من القراء، ولتسليط الضوء على وثيقة نادرة تبين درجة التحضر، والتواصل الثقافي الرفيع والنبيل بين شعب الخليج العربي والآخر(البرتغالي) رغم صعوبة تلك الحقبة التاريخية وإشكالياتها وحساسيتها الفائقة جدًا.

رسَّخت دولة الإمارات العربية المتحدة تأسيسها الثقافي والحضاري الرائد من خلال مشاريع كبرى للتواصل الحضاري مع الآخر فمن أبوظبي التي تٌصنف حالياً واحدةً من العواصم الثقافية الكونية الكبرى، إلى إمارة دبي ومشاريعها التنموية الثقافية، إلى الشارقة ومشاريعها الثقافية الحضارية الملهمة محلياً وعربياً وعالميًا إلى الإمارات الأخرى.

أبارك للقيادة السياسية في دولة الإمارات العربية المتحدة هذا التألق الثقافي، وأبارك لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي هذه الشهادة العالمية الثقافية الرفيعة جداً، وهذا المشروع الرائد عربياً في كتابة التاريخ وتفكيك مصادره من منظور جديد، وأبارك لشعب الإمارات الشغوف أبداً بالمعرفة المتجددة الخلاقة.