الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.(أرشيف)
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.(أرشيف)
الجمعة 12 أكتوبر 2018 / 12:00

هل تردّ القاعدة الجميل لأردوغان في إدلب؟

كتب أحمد يايلا، بروفسور مشارك في قسم الأمن القومي ضمن جامعة ديسايلز الأمريكية، أنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وقع اتفاقاً مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين ليتفادى مجزرة في إدلب.

يفكر الرئيس التركي بأنّه من خلال إنقاذ السكان في إدلب سيضمن موقعه القيادي بين عدد من المسلمين السنة وحماس وداعمي الإخوان المسلمين وفروعهم

وطرح يايلا الذي ترأس دائرة مكافحة الإرهاب في الشرطة التركية في سانليورفا بين سنتي 2010 و 2013 مجموعة أفكار تدور في ذهن أردوغان للاستفادة من اتفاق سوتشي كي يعزز نفوذه شمال سوريا. وذكر في موقع "ذا دايلي بيست" أنّ هذا الاتفاق نص على عدد من البنود من بينها المنطقة العازلة، لكن الأهمّ كان وعد أردوغان بسحب "كل المجموعات الإرهابية الراديكالية" بمن فيها حوالي 10 آلاف مقاتل من هيئة تحرير الشام (القاعدة سابقاً).

مهلة أردوغان لتحقيق ذلك تنتهي في 15 أكتوبر الحالي. تظهر المؤشرات أنّ الرئيس التركي يخطط لاستخدام هؤلاء لتحقيق غاياته الخاصة عبر وضعهم في مواجهة المقاتلين الأكراد الموالين لواشنطن. تقضي الخطط المتوقعة بأن ينقل أردوغان هيئة تحرير الشام أولاً إلى منطقة قريبة من الحدود التركية ثم إلى عفرين التي لطالما أراد الأكراد السيطرة عليها. الخطوة التالية وفقاً لوزير الخارجية مولود جاويش أوغلو هي إنهاء حكم وحدات حماية الشعب لمدينة منبج. لكن إلى الآن يبقى أمام الهيئة القبول بالخطة.

جواب على التساؤلات
قد يتساءل البعض كيف يمكن لأردوغان التفكير بأنّ هؤلاء سيقبلون بعرضه. يوضح يايلا أنّ الرئيس التركي أو أجهزته الاستخبارية يملكون سجلاً طويلاً من العمل مع الجهاديين السوريين بمن فيهم الأكثر تطرفاً. من الناحية الإكراهية، لدى تركيا قواتها الخاصة في المنطقة إضافة إلى زبائنها المنضوين في تحالف جديد للثوار يُدعى الجبهة الوطنية للتحرير. تقول هيئة تحرير الشام إنّها لن تقبل الاتفاق لكن 12 مجموعة من ضمنها أحرار الشام ونور الدين زنكي ومجموعات من الإخوان المسلمين اجتمعت تحت المظلة التركية. تقول هذه المجموعة إنّ لديها 100 ألف مقاتل. تسيطر تركيا أيضاً على مدينتين كبيرتين عند الحدود مع سوريا وهما عفرين والباب. لهذا قد يبدو أنّ لتركيا قوة عسكرية هائلة بالمقارنة مع 10 آلاف مقاتل من الهيئة في إدلب وحَولها.

من جهة ثانية، استثمرت أنقرة كثيراً في خلق نفوذ لها شمال سوريا منذ سنة 2011. فقد حصل السكان المحليون والفصائل المعارضة على الكثير من المساعدات الإنسانية والمواد الغذائية من وكالات حكومية ومنظمات تركية غير حكومية مثل مؤسسة الإغاثة الإنسانية. كذلك، افتتحت تركيا عدداً من المدارس وأرسلت إليها أساتذة أتراكاً. ولأجل أن تبني حضورها الدائم هناك قامت بإرسال أئمة أتراك إلى شمال سوريا. لدى غالبية المدنيين في إدلب أعضاء من عائلاتهم يعيشون في تركيا الأمر الذي ينمّي الشعور الإيجابي تجاه الرئيس التركي.

المرة الأخيرة التي ضرب فيها القاعدة

صحيح أنّ هيئة تحرير الشام انتقدت الاتفاق لكن النتيجة الحقيقية ستكون أكثر تعقيداً. لم يكن مسؤولو ومقاتلو القاعدة مسرورين بإعلان الهيئة انشقاقها عن القاعدة لكنّ آخرين مالوا باتجاه تركيا بفعل الدعم الذي تلقوه في الماضي. لم ينسَ كثر المساعدات التركية التي تلقوها بما فيها الشاحنات الشهيرة لجهاز الاستخبارات الوطنية على طرق أضنة السريعة وهي تنقل الأسلحة إلى الجهاديين في سوريا. في الواقع، عملت مؤسسة الإغاثة الإنسانية عن كثب مع المجموعات المرتبطة بالقاعدة وكان أعضاء منها يمرون بحرية عبر الحدود التركية السورية من دون أن يتم إيقافهم. ولم تشن تركيا أي عملية ضد الإرهابيين التابعين للقاعدة منذ سنة 2014.

القاعدة متعاطفة مع أردوغان
صعبت جميع هذه الخدمات على هيئة تحرير الشام مواجهة تركيا. حتى عندما صنفتها أنقرة على لائحة الإرهاب في 31 أغسطس (آب) الماضي، كان العديد من أعضاء الهيئة يصفون هذه الخطوة بالتكتيكية حين كانوا يدردشون على تطبيق تيليغرام. إنّ تعاطف قيادة الهيئة تجاه أردوغان واضح في بروباغندا القاعدة. على سبيل المثال، كتب أبو محمد المقدسي، المرشد الروحي لأبي مصعب الزرقاوي، أنّ على أعضاء القاعدة "الاستفادة من الحريات" في تركيا و "تجنب الأعمال العشوائية المؤذية".

وتم تلمس هذه المقاربة الإيجابية تجاه أردوغان خلال انتخابات 2018. لقد خرقت المنظمات السلفية والجهادية مبادئها الخاصة عبر دعم أردوغان بغض النظر عن وقوفها ضد الانتخابات لأنها من أعمال الكفار كما تصفها: "لا نؤمن بالديموقراطية، لكنّ أصواتنا لأردوغان". وتعامل جهاز الاستخبارات الوطنية بشكل عميق مع المجموعات المرتبطة بالقاعدة أكان على مستوى الأعضاء البارزين أو العاديين. ويذكر الكاتب أيضاً منظمة سادات التركية شبه العسكرية التي يقودها المستشار العسكري الرئيسي لأردوغان الجنرال السابق عدنان تانريفردي الذي كان يقدم الاستشارات والتدريبات والأسلحة لمجموعات جهادية في سوريا.

هدف أردوغان
يؤمّن اتفاق إدلب أهداف أردوغان بمنع نشوء منطقة تحت السيطرة العسكرية للأحزاب الكردية القريبة من حزب العمال الكردستاني. يكره العديد من السنّة العرب وحدات حماية الشعب بسبب عقيدتها الماركسية وسيطرتها على أراض كانت ضمن ملكياتهم مثل تل أبيض التي تعزز تركيا قواتها العسكرية بالقرب منها. وقال الرئيس المشارك السابق لحزب الاتحاد الديموقراطي الكردستاني صالح مسلم إنّ أردوغان يسعى إلى تغيير الديموغرافيا في المنطقة ومنع الأكراد من العودة إلى بلادهم عبر نقل الجهاديين المتطرفين إلى عفرين.

ضمان ولاء الإخوان وحماس
يفكر الرئيس التركي بأنّه من خلال إنقاذ السكان في إدلب سيضمن موقعه القيادي بين عدد من المسلمين السنة وحماس وداعمي الإخوان المسلمين وفروعهم. لكنّ خططه قد تفشل وهو يحاول نزع سلاح الإرهابيين بما أنّ المنظمات الجهادية والسلفية تملك قاعدة واسعة في تركيا تصل إلى حوالي 20 ألف شخص وفقاً لتقرير صادر عن الشرطة التركية سنة 2016. لقد كان هؤلاء هادئين بشكل كبير منذ بدء النزاع لأنّ الحكومة سمحت للجهاديين بالتحرك بحرية عبر الحدود. إنّ نزاعاً بين تركيا وهيئة تحرير الشام في إدلب يمكن أن يطلق موجة من الإرهاب. لكن على صعيد آخر، يفكر أردوغان أيضاً بأنه في حال فشل الاتفاق، سيعلن أنه بذل كل ما بوسعه لإنقاذ المدنيين في إدلب وسيستخدم وكلاءه في المنطقة لمطاردة عناصر الهيئة وقد يشن عمليات ضد المجموعات المرتبطة بالقاعدة داخل تركيا.

بدأ يتقرب من الهيئة
يضيف الكاتب أنّه على الأرجح، بدأ أردوغان يتقرب من الهيئة من خلال جهاز الاستخبارات ومؤسسة الإغاثة الإنسانية وبعض الشيوخ المحليين. يقوم عرضه على تهديدهم بالقوة الروسية ومن ناحية ثانية على فتح ممرات الهروب أمامهم. إذا تمكن أردوغان بطريقة ما من إقناع الهيئة بالموافقة على شروطه والعمل مع الجبهة الوطنية للتحرير عبر إعادة أسلحتهم الثقيلة فسيكون بطل إدلب. سيحكم شمال سوريا بما فيه عفرين وإدلب وربّما منبج وسيتفادى تدفق 700 ألف لاجئ من إدلب إلى الداخل التركي. من المحتمل أن تسمح تركيا بإعطاء اللجوء لبعض أعضاء هيئة تحريرالشام البارزين وهذا ما حصل خلال عمليات إدلب. وفي نهاية المطاف، قد يشهد أردوغان بلاده في موقع الهيمنة الإقليمية على الرغم من البؤس الاقتصادي ومعاناة الأتراك في الداخل تحت حكمه القمعي. بحسب يايلا، هذه الرواية التي يريدها أردوغان وهذا ما يعمل عليه.