رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.(أرشيف)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.(أرشيف)
الجمعة 12 أكتوبر 2018 / 19:50

السلام في ذمة الله؟

العامل الحاسم الذي غير المعادلة بصورة كلية لصالح إسرائيل فكان فوز الرئيس دونالد ترامب الذي بات الرئيس الأمريكي الأكثر قرباً من القلب الصهيوني

عندما حاصرت إسرائيل مقر الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في المقاطعة عام 2002 وقُيدت حركته وحبسته في غرفة مكتبه بعد عملية "السور الواقي"، كتبت مقالاً قلت فيه إن "اللعبة انتهت"، وكنت أقصد ما يسمى بعملية السلام، وبنيت تحليلي وقتذاك على فرضية أن عملية السلام التي بدأت مؤتمر مدريد ثم توجت في اتفاق أوسلو استندت إلى وجود زعامات قادرة على صنع السلام تماماً بمقدار مقدرتها على صنع الحرب أو الحروب وبخاصة أبو عمار وإسحق رابين والمغفور له الحسين بن طلال والرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون. ولكن قواعد "اللعبة" اختلت بعد خروج رابين من المشهد، ولكن العملية لم تنهر رغم قفز نتانياهو إلى المشهد ذاته بمشروعه "التخريبي" والمعلن لاتفاقيات أوسلو. فالعملية حافظت على زخم قوتها بفعل الإرادة الأمريكية ورغبة الرئيس كلينتون في الوصول لتسوية تاريخية للقضية الفلسطينية، غير أن فوز أرييل شارون بتشكيل الحكومة الإسرائيلية بعد إيهود بارك شكل ضربة قاسية لما تبقى من جهود بذلتها إدارة كلينتون للمحافظة على "العملية"، خاصة أن شارون وضع نصب عينيه هدفاً استراتيجياً واضحاً ومعلناً ألا وهو "الخلاص من ياسر عرفات".

كان شارون يكره عرفات بصورة مرضية وبجنون بسبب الانتكاسة السياسية التي لحقت به بعد غزوه بيروت عام 1982 وهي الانتكاسة التي عطلت طموحه السياسي على مدى عقدين من الزمان وتسببت بإظهار صورته في المجتمع الدولي كمتطرف ومجرم حرب على خلفية المجازر التي ارتكبت في مخيمي صبرا وشاتيلا في بيروت.

اسُتكملت حلقات الإجهاز على ما يسمى بعملية السلام بعودة نتانياهو رئيساً للوزراء في إسرائيل عام 2009، ونجاحه بصورة ملفتة في "معاندة" الرئيس الأمريكي باراك أوباما وطاقم إدارته وهو عناد عطل بشكل كبير كل الجهود التي كان يمكن أن تعيد الحيوية للعملية السلمية، وأوصلتها إلى درجة "التصحر السياسي" على مدى ثماني سنوات، فضل خلالها أوباما رعاية "الربيع العربي" ، ودعم "الإسلام السياسي" على التصدي لنتانياهو وإرغامه على تقديم تنازلات للسلام مع الفلسطينيين.

من أبرز العوامل التي لعبت دوراً مؤثراً في خدمة مشروع الإجهاز على عملية السلام هو غياب العامل الفلسطيني القادر على مواجهة سياسات نتانياهو وبخاصة في مجال الاستيطان واستباحة الأرض الفلسطينية والرضوخ تماماً للتوجهات الأمنية الإسرائيلية عبر اتفاق التنسيق الأمني الذي أحال السلطة الفلسطينية إلى حارس بوابة للأمن الإسرائيلي، وهو الأمر الذي رتب وبالتراكم الكمي وعلى مدى سنوات وقائع على الأرض باتت فيها إسرائيل في حالة استرخاء كبيرة من الناحيتين الأمنية والسياسية، وهو أمر أغراها في التعمق أكثر وبدرجة كبيرة في التمسك بالسياسات المتطرفة والعنصرية غير عابئة بأي رد فلسطيني أو عربي.

أما العامل الحاسم الذي غير المعادلة بصورة كلية لصالح إسرائيل فكان فوز الرئيس دونالد ترامب الذي بات الرئيس الأمريكي الأكثر قرباً من القلب الصهيوني للدرجة التي تفوق فيها عن الرئيس "هاري ترومان" الذي كان الداعم الأبرز لقيام الكيان الصهيوني.

بعد هذه السنوات الطويلة لعملية السلام المتأرجحة بين مدّ وجزر وتحديداً بعد اتفاق أوسلو في 1993، لم يعد هناك إمكانية لإعادة عقارب الساعة أو الزمن إلى الوراء، فكل الأطراف الإقليمية ومن ضمنها بعض الدول العربية لم تعد معنية بدعم "أو إنتاج" سلام فلسطيني– إسرائيلي يعيد جزءاً من الحقوق الفلسطينية على قاعدة حل الدولتين خاصة بعدما دخلت إسرائيل مرحلة الدولة القومية لمواجهة "الدولة ثنائية القومية" عقب موت خيار حل الدولتين.