الفيلسوف الفرنسي غاستون باشلار.(أرشيف)
الفيلسوف الفرنسي غاستون باشلار.(أرشيف)
الإثنين 15 أكتوبر 2018 / 19:57

أحلام يقظة وأحلام يقظة

هذه المرة ليس التحليل النفسي موضوعه الشاغل. إنه ينتقل الى أحلام اليقظة وهي الأحلام التي لا نصادفها في المنام وإنما هي الأحلام التي نصادفها في الخيال وفي الصور وفي الأدب

"الأرض وأحلام يقظة الإرادة" "الأرض وأحلام يقظة الراحة" لغاستون باشلار، صدر عن سلسلة كلمة بترجمة قيصر الجليدي، والكتاب بجزأيه يكاد يكون بين نقيضين، فالجزء الأول يتكلم عن أحلام اليقظة التي تتناول صورها، فالمسألة مسألة صور، ما يمت الى التوتر والعُصابية والتجهّم وما الى ذلك، بينما الجزء الثاني يتناول الأحلام التي تعبّر صورها عن الإنفتاح والهناء والإيجاب. أما الصور فهي بمعظمها من شتى الكتب الأدبية والفلسفية والعلمية وباشلار العصامي الذي جمع بالتوازي بين العلم والفلسفة والأدب وبقية الأغراض، يضيف هذا الكتاب الى كتبه التي اشتغلت على النقد والتي تناولت التحليل النفسي للنار والماء والأحلام والهواء والتي ألهمت الجيل الذي تلاه وكان بين ملهمه فوكو كما أن ثقافة هذا الجيل التي لا تزال متصدّرة، تستلهمه بشكل عام.

هذه المرة ليس التحليل النفسي موضوعه الشاغل. إنه ينتقل الى أحلام اليقظة وهي الأحلام التي لا نصادفها في المنام وإنما هي الأحلام التي نصادفها في الخيال وفي الصور وفي الأدب خاصة. أحلام اليقظة هذه نصادفها في الكتب والأدبية بشكل خاص. وفي مقدمته "المغارة" يقدم باشلار لموضوعه الذي يحمل هذا العنوان "بل علينا فقط أن نتابع الأحلام، لا بل الأحلام التي أمكن التعبير عنها، لا بل بصورة أدق الأحلام التي تُنشد العبارة الأدبية. باختصار إن موضوعناالمحدود ليس الا المغارة في الأدب".

لا تنطبق هذه العبارة على مجمل جزئين لكنها تجوز نسبياً عليهما، فحين يتكلم باشلار عن الصور وهي ما يشغل في الأكثر دراسته، فإن ما يجد هذه الصور «في أغلبها في النصوص الأدبية، ورغم أن باشلار لا يتجنّب الفلسفة والنقد ولا التاريخ ولا العلم، فإننا نجد الكتاب بجزأيه سياحة في الخيال بوجه عام، وهذا ما يتجلى في الأدب.

باشلار في مجلده يحيل أحلام يقظة الإرادة على المواد الصلبة والأدوات "طابعها العدواني" والعجين والوحل والحداد والصخرة والأشياء الغازية والمعدنية، والبلور والندى وعلم نفس الثقالة. هذه العناوين يتناولها بإيراد صورها وجدلها وقيمها المتعددة وازدواجاتها. لكن النصوص ترجع الى استشهادات مأخوذة من محيط واسع من الكتب هي قبل كل شيء بهذه الاستشهادات التي تتفرع وتتجزأ وتنتشر، بحيث نشعر أنها في شمولها وتنوعها تتغلغل وتلحق بكل صغيرة، وتبتكر وتنشئ ملاحظات وتعثر على معالم وتقتنص افكاراً ومواصفات. الكتاب بجزأيه من هذه الناحية مكتبة لكل موضوع ومكتبات بعدد المواضيع ولعل شواهده الأدبية هي بحد ذاتها مكتبة واسعة في التبحّر الثقافي وانطولوجيا للأدب، مختارات تأتي بالمشهور والمغمور وبالقديم القديم والجديد الجديد، فهو من هذه الناحية يضيء على تاريخ الأدب ودراسته هي، في أقل اعتبار، موسوعة أدبية.

في الجزء الثاني الأرض أحلام يقظة الراحة، نحن أمام مسكن الولادة "والمسكن الحلمي" كما أننا أمام "عقدة يونس والمغارة والمتاهة والثعبان والجذر" أما عقدة يونس التي تبني على القصة الدينية التي تروي ابتلاع الحوت للنبي يونس وبقاءه في جوف الحوت، الى أن لفظه هذا على الشاطئ، فإن ما يجعل باشلار يضيف الى أحلام يقظة الراحة هذه القصة الذي يعترف بأن التحليل النفسي ينسى عنصراً من عناصر الأسطورة، إذ ينسى أن يونس قد أعيد الى النور...

 فالخروج هو آلياً دخول في الحياة الواعية، فالحيوان كما يقول يونس مستشهداً ب غ: يونغ وكتابه علم النفس والخيمياء، وبكلامه عن الأصل الأوقيانوسي للحياة فالبلع "حدث اسطوري لأن البطل يبتلع ولا يفترس" فالمُبتلع من قبل تنين "لا يُعد ذلك حدثاً سلبياً إذ عندما يكون الشخص بطلاً حقيقياً، فإنه يصل الى معدة الوحش. من هنا تكون حادثة ابتلاع يونس ايجابية ومن أحلام يقظة الراحة".