المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل.(أرشيف)
المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل.(أرشيف)
الأربعاء 17 أكتوبر 2018 / 20:30

خريف المرأة الحديدية

ساهم صعود حزب "البديل" الشعبوي في إرباك الائتلاف الحكومي، وأصبحتْ المستشارة "الحيطة المايلة" التي يرميها الجميع بالإفراط في الليبرالية أو النيو ليبرالية

في فترة ولايتها الرابعة، تفقد المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، بريق المرأة الحديدية، ويفقد أيضاً "الاتحاد المسيحي الاجتماعي"، يمين الوسط، الحليف الأساسي للمستشارة، بريق النصر في انتخابات بافاريا الإقليمية، التي أُجريت الأحد الماضي 14 (تشرين الأول) أكتوبر 2018، وهذا سيضعف أكثر فأكثر حكومة ميركل. كان "الاتحاد المسيحي الاجتماعي"، يسيطر على انتخابات بافاريا منذ خمسينيات القرن الماضي، وتحديداً منذ 1957، وعلى الرغم من أن "الاتحاد المسيحي الاجتماعي"، كان في مقدمة التصويت بنسبة 37,3 في المئة، لكن هذه النتيجة تُعتبر خسارة بحوالي 10,4 نقطة، مُقارنةً مع نتائج 2013، وبالتالي خسارة للغالبية المطلقة، وضرورة البحث عن ائتلاف غير مريح مع حزب أو أحزاب أخرى.

الضربة الثانية للمستشارة أنغيلا ميركل، هي التي تلقاها حليفها الآخر في الائتلاف الحكومي، وهو "الحزب الاشتراكي الديمقراطي"، يسار الوسط، الذي حصل على 9,5 في المئة من الأصوات. أما الفائزون في الاقتراع، فهم "حزب الخضر"، الذين حلوا في المرتبة الثانية ما بين 17,8 في المئة من الأصوات، والمحافظون والمستقلون بنسبة 11,6 في المئة، ثم الحزب المخيف "حزب البديل" أقصى اليمين، بنسبة 10,7 في المئة من الأصوات، وفي الذيل جاء الليبراليون بنسبة 5 في المئة.

دب الخلاف بين "الاتحاد المسيحي الاجتماعي"، وبين "الاتحاد المسيحي الديموقراطي" بزعامة ميركل، بسبب سياسة الهجرة، وقد أعلن هورست زيهوفر، زعيم "الاتحاد المسيحي الاجتماعي"، ووزير الداخلية الألماني، في وقت سابق من هذا العام، بأن ألمانيا تؤيد ترحيل المهاجرين الخطرين من البلاد. تحاول ميركل تجنب أي انقسامات أخرى قبل انتخابات ولاية هيسن الكبيرة في 28 (تشرين الأول) أكتوبر 2018، والتي يديرها حالياً "الاتحاد المسيحي الديموقراطي".

كانت توقعات "الحزب الاشتراكي الديمقراطي"، أن يدفع الاقتتال الداخلي حول سياسات الهجرة، بين المسيحيين الديمقراطيين، وبين المسيحيين الاجتماعيين البافاريين، دفعة قوية، تؤدي إللا إقصاء ساحق لحزب "البديل" المتطرف، وبالتالي إلى نتائج أفضل. ولإهانة الهزيمة، ولرمي العار بعيداً عنهم، اتهم الاشتراكيون الديمقراطيون المستشارة أنغيلا ميركل بالضعف، وناقشوا جدوى تحالفهم الوطني معها.

ولا يزال أعضاء "الاتحاد المسيحي الاجتماعي"، يشعرون بالمرارة من قرار قادتهم، بالانضمام إلى حكومة ميركل 2017. من جانب آخر كان قادة "الحزب الاشتراكي الديموقراطي"، قد وعدوا أعضاء الحزب المعارضين، للتحالف مع المحافظين، بمراجعة بعد عامين في حكومة ميركل، إذا كان هذا التحالف قابلاً للحياة أم لا.

اعترفتْ المستشارة أنغيلا ميركل بمذلة، بأن الناخبين فقدوا الثقة في الحكومة، وأن عليها استعادة تلك الثقة المفقودة، وأن انتخابات بافاريا، أظهرتْ أيضاً، أن أفضل البيانات الاقتصادية، والتشغيل الكامل للمواطنين، غير كافيين وحدهما، لكنها لم تتحدث عن أسباب فقدان الثقة.

شهدتْ بافاريا ذروة مهاجرين في 2015. آلاف من المهاجرين وطالبي اللجوء، كانوا يعبرون إلى بافاريا كل يوم. ومنذ 2015، تعرضتْ المستشارة لانتقاد شديد في ولاية بافاريا، بسبب إدارتها لتدفق المهاجرين.

ساهم صعود حزب "البديل" الشعبوي في إرباك الائتلاف الحكومي، وأصبحتْ المستشارة الحيطة المايلة التي يرميها الجميع بالإفراط في الليبرالية أو النيو ليبرالية، وكأنَّ المعايير التي تُصنَّف على أساسها الأحزاب، اختلفتْ، أو اهتزتْ، أو اقتربتْ المسافات بينها. فما معنى يمين الوسط؟ أو يسار الوسط؟ أو ما هي حدود النظرة المحافظة؟ أو على أي أساس تسبق "كلمة" المسيحي، أو الديمقراطي، الصدارة في اسم الحزب، أو الاتحاد؟

توقع البعض أن الانتخابات القادمة في ولاية هيسن، ربما تكون المحطة الأخيرة في حكم المستشارة أنغيلا ميركل. ولاية بافاريا هي الولاية الخامسة عشرة، التي يدخل برلمانها المحلي، حزب البديل من أجل ألمانيا. لن يعترف الغرب بأن سياساته الخارجية التي مارسها باسم الاستعمار قديماً، وباسم الاستثمار والعولمة، وحرية رؤوس الأموال، والحروب الدائمة حديثاً، من أجل عيون الديمقراطية، هي الأسباب نفسها التي فتحتْ الباب لليمين الشعبوي. عدم الاعتراف قد يرتقي إلى سبب آخر أعمق بكثير، وهو أننا نشهد دورة انحطاط الغرب.