قوات أمريكية إلى جانب أكراد في شمال سوريا (أرشيف)
قوات أمريكية إلى جانب أكراد في شمال سوريا (أرشيف)
الخميس 18 أكتوبر 2018 / 11:55

تحوّل استراتيحي لأمريكا في سوريا...من محاربة داعش إلى مواجهة إيران

رغم تأكيد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المتكرر، ضرورة عودة القوات الأمريكية، وتجنب الحروب المكلفة في الشرق الأوسط، غيرت الإدارة الأمريكية في الشهر الماضي سياستها في الحرب الأهلية السورية وأعلن مستشار الأمن القومي الأمريكي أن الولايات المتحدة باقية في سوريا طالما بقيت القوات الإيرانية هناك، واصفاً السياسة الجديدة بأنها تحول استراتيجي، من مواجهة داعش لاحتواء إيران.

نشر إيران آلاف المقاتلين الشيعة في سوريا من أخطر التحديات الناجمة عن تورط إيران في سوريا

ويلفت الباحثان كولن كلارك وأريان طباطبائي، في تقرير نشرته مجلة "ذا اتلانتيك" الأمريكية، أن هذه الاستراتيجية الجديدة ستشمل جهوداً دبلوماسية وسياسية متزايدة، ولكن يجب أن تبقى ضمن الحدود التي يفرضها تفويض الكونغرس الحالي لاستخدام القوة في سوريا.

استراتيجية جديدة
ويرتكز جزء من استراتيجية إدارة ترامب على حجب مساعدات إعادة الإعمار عن المناطق التي تعمل فيها القوات الإيرانية والروسية، في محاولة لتضييق الخناق على الأموال التي يمكن أن تستفيد منها طهران.

ويبدو أن الاستراتيجية الجديدة تسعى لتجنب المواجهة المباشرة بين القوات الأمريكية والإيرانية، بيد أن واشنطن أوضحت أن القوات الأمريكية ستدافع عن نفسها عند الضرورة.

وحتى مع بداية ظهور الملامح الرئيسية لاستراتيجية الولايات المتحدة الجديدة لاحتواء إيران، فإن العديد من مكونات هذه الاستراتيجية لاتزال غير محددة بدقة، بحسب الباحثين، وربما يكون من الصعب تنفيذ ما يتوقعه الكثيرون في الولايات المتحدة، خاصةً لأن الولايات المتحدة، "المترددة" التي كافح قادتها لإنهاء الحرب في أفغانستان والعراق، تواجه خصماً شرساً في إيران، التي قدمت دماء جنودها، والكثير من مواردها المالية، وجندت آلاف المقاتلين من جميع أنحاء المنطقة لانقاذ نظام حليفها الرئيس السوري بشار الأسد.

باقية في سوريا

ويقول الباحثان: "والآن عندما بدأت نهاية الحرب الأهلية السورية تلوح في الآفق، من الصعب تخيل أن الإيرانيين سيغادرون سوريا، سيبقون في سوريا لجني ثمار استثمارهم في هذا البلد، ومن ثم فإن على الولايات المتحدة أن تضع هذا الأمر في حسبانها، عند صياغة سياسة الاحتواء الجديدة".

ويشير مقال مجلة "ذا أتلانتيك" إلى دخول إيران ساحة الصراع السوري منذ مطلع 2011، ولكن وجودها كان غامضاً في البداية، وسرعان ما فقدت المئات من قواتها في ساحات المعارك بسوريا، ما أجبر نظام الملالي على إنفاق موارد طائلة لدعم الديكتاتور بشار الأسد الذي استخدم الأسلحة الكيماوية ضد شعبه.

ولكن ظهور داعش في 2014 كان بمثابة مبرر لتورط إيران المستمر في سوريا، واليوم تبدو إيران مستعدة لتحويل التدخل المكلف إلى فرصة لتأكيد قوتها خارج حدودها وردع خصومها الرئيسيين.

ويعتبر الباحثان أنه من خلال دعم نظام الأسد، استطاعت إيران تأمين مستقبل أحد عملائها الاستراتيجيين كما حصلت على فرصة لتشكيل إعادة إعمار سوريا، وهي فرصة ضرورية للغاية بالنسبة إلى إيران التي تعاني من الأزمات الاقتصادية المستمرة بسبب إعادة فرض العقوبات الأمريكية ضدها في ظل حرص إدارة ترامب على زيادة الضغط على إيران وعزلها.

ويرى الباحثان أن قرار إدارة ترامب بإخراج إيران من سوريا، رغم تردد الولايات المتحدة في سحب قواتها دون قتال، يعني أن ثمة حاجة إلى طريقة جديدة للمضي قدماً، لاسيما أن السياسة الأمريكية إزاء سوريا لاتزال حتى الآن قائمة على قتال داعش.

وأخيراً شارك أكثر من 100 من عناصر المارينز في تدريبات بالقرب من التنف بجنوب سوريا، ويتمركز قرابة 2000 جندي أمريكي في سوريا، بيد أن سياسة احتواء إيران ربما تتطلب المزيد من القوات والبنية التحتية، بما في ذلك إقامة بؤر في مواقع استراتيجية.

خطر الميليشيات الشيعية
وفي الوقت نفسه يحذر الباحثان من بقاء القوات الأمريكية في سوريا إلى أجل غير مسمى، وهو التحدي الذي يواجه الرئيس ترامب إذا كان عازماً بالفعل على ربط سحب القوات الأمريكية بخروج القوات الإيرانية من سوريا، حيث أن الجدول الزمني غير محدد المدة لسحب القوات الأمريكية سيمثل إشكالية لواشنطن أكثر من إيران التي نشرت بالفعل آلاف المقاتلين من الجيش، والحرس الثوري، والميليشيات الشيعية في جميع أنحاء سوريا، بترحيب من بشار الأسد.

ويصف مقال المجلة الأمريكية نشر إيران آلاف المقاتلين الشيعة في سوريا بأنه من أخطر التحديات الناجمة عن تورط إيران في سوريا، إذ تتألف هذه القوات من رعايا أجانب مدربين على القتال بفاعلية في ساحات المعارك لتقليل خسائر القوات الإيرانية.

ومع المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها إيران في الوقت الراهن، والسخط الشعبي المتنامي داخلها، فإن نظام الملالي لم يعد في وضع يسمح له بدعم الآلاف من المقاتلين وأسرهم، وأكثرهم يأتي من أفغانستان.

وبدل عودتهم، سيعيد نظام الملالي على الأرجح توجيه هذه القوات المدربة جيداً إلى صراعات أخرى تشارك فيها إيران حالياً مثل الحروب في أفغانستان واليمن. وتُفيد بعض التقارير بأن إيران بدأت تنشر بعضهم في ساحات الحروب الأخرى.

وبحسب الباحثين، لم تعد هذه القوات تشكل تهديداً لسوريا فقط، وإنما أيضاً لأماكن الصراعات الأخرى في المنطقة، ومن ثم فإن الولايات المتحدة تحتاج إلى تحديد كيفية تقويض قدرة إيران على إعادة توجيه مثل هذه القوات إلى صراعات أخرى، مع الأخذ في الاعتبار أن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وصلت إلى الحضيض بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني.

روسيا وإسرائيل
ويشدد الباحثان على أن روسيا يجب أن تكون أحد العوامل الرئيسية للولايات المتحدة في صياغة سياسة الاحتواء الجديدة لإيران. وتسعى الإدارة الأمريكية إلى تعزيز علاقة ترامب بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين للتأثير على تحركات إيران في سوريا.

ولكن قدرة روسيا على تشكيل سلوك طهران لاتزال محدود، لكن يمكن للولايات المتحدة أن تساعد روسيا على تهدئة التوترات بين اللاعبين الرئيسيين في سوريا، مع الحرص على تجنب زيادة النفود الروسي في هذه العملية.

ويشير الباحثان إلى أن الصراع الذي يتصاعد بين إيران وإسرائيل ربما يكون مصدر التوتر الأكثر إثارة للقلق، ولذلك يجب أن يكون منع اندلاع حريق أوسع بين إيران وإسرائيل في سوريا جزءاً أساسياً من استراتيجية احتواء إيران الجديدة، وربما يكون السبيل الوحيد لإجبار إيران على الالتزام بتقليص وجودها العسكري في سوريا، ما يجعل الدبلوماسية أداة حاسمة في متابعة هذه السياسة الجديدة، وبقاء القوات الأمريكية في سوريا سيكون ضرورياً لتأمين أي تسوية سياسية مستقبلية.

ويختتم مقال "ذا اتلانتيك" أن نتائج هذه السياسة الجديدة سيكون لها تداعيات محورية على المنطقة، وإذا فشل الاحتواء سيتوفر لإيران مسار واضح لتوسيع نفوذها في جميع أنحاء الشرق الأوسط، في حين أن الولايات المتحدة يمكن أن تصبح عالقة أكثر في مستنقع الحرب الأهلية السورية، مع القليل من المكاسب الملموسة لسياستها الجديدة.