الصحافي السعودي جمال خاشقجي.(أرشيف)
الصحافي السعودي جمال خاشقجي.(أرشيف)
الجمعة 19 أكتوبر 2018 / 20:11

ليتك ساكت

لا أدّعي كذلك معرفتي بالتأثير السلبي الفعلي الذي قد يخلقه هؤلاء الناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي

قم بإغلاق هذه الصفحة، واذهب لإكمال يومك، إذا كنت لا تصدّق مطلقا بـ "تأثير الفراشة" الذي من المحتمل أن يصنعه على أرض الواقع من يُطلق عليهم –لسخرية القدر- لقب "الذباب الإلكتروني".

لست بصدد إقناعك، إذ إني لا أدّعي معرفتي بالتأثير الإيجابي الفعلي الذي يخلقه هؤلاء الناشطون في الذود عن أوطانهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ولا أدّعي القدرة على قياسه. أنا أيضاً أصمت بحيرة عندما يسخر أحدهم من مساعي سلاسل التغريدات في "تويتر"، والمقاطع المصوّرة عبر "يوتيوب"، إلى أن تحرّك صناع القرار.

عموماً، يكفي هؤلاء الناشطون فخراً أنهم يصرون على الانغراس كالشوكة العنيدة في باطن قدم الإعلام التقليدي، ذلك الذي توهّم بأنه سيستغفلنا للأبد، وسيواصل تلفيق قصصه السخيفة، والتي كانت آخرها مستوحاة من روايات "ستيفن كينغ"، إذ راح الجاني يقطّع جسد جمال خاشقجي على ألحان سمفونية بيتهوفين التاسعة!

ولكن إذا كنت تؤمن بقدرة جناحيّ هذه الفراشة النشطة على خلق العواصف ضد الخصم وآلته الإعلامية الشرسة، فيجب عليك أن تبدي ما يكفي من الاحترام لرفرفتها الصغيرة، عوضاً عن الاستخفاف بها واستسهالها.

منذ انطلاقة أزمة اختفاء خاشقجي في تركيا، لا أستطيع أن أصف لكم مدى صدمتي ببعض التدوينات التي يطلقها طيبو النوايا، شديدو الحماسة، معتقدون بأنهم وإن لم ينفعوا أوطانهم وقضاياهم، فهم –على الأقل- لن يلحقوا بها ضرراً يُذكر.

ولا أعتقد  أنه مرّت بي مقارنة أكثر جنوناً ممن هبّ للدفاع عن المملكة العربية السعودية، فقام بتشبيهها ببريت كافانو، قاضي المحكمة العليا للولايات المتحدة، والذي طاردته مؤخراً ولوّثت سمعته اتهامات النساء له بسوء السلوك الجنسي.

وبينما كان المواطن الخليجي المندفع يرمي بذلك إلى تماثل المملكة مع كافانو في تعرضهما لهجمات الإعلام الغربي المحسوب على الحزب الديمقراطي، فرب تشبيه قال لمغرّده "دخيل الله دعني"!

ومواقع التواصل الاجتماعي تزخر بالأمثلة التي تتورد لها الوجنتان خجلاً وإحراجاً، كمن يخطئ 180 درجة في فهم تقرير منشور في الإعلام الغربي حول موقف دولته، فيحوله من وضعية التهجّم والنبز، إلى ما يعتقد بأنه التأييد والإعجاب.

بالطبع، الوجه للآخر للعملة يقول بأني لا أدّعي كذلك معرفتي بالتأثير السلبي الفعلي الذي قد يخلقه هؤلاء الناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أو أدعي القدرة على قياسه.

ولكن إن كنا سنراهن على مجهوداتهم البسيطة في ظاهرها، والعظيمة في مقاصدها، فلا يمكن أن نستمر في اعتبارها مجرد تدوينات عابرة من 140 حرفاً، ليصبح الذود عن الأوطان وقضاياها عملاً تطوعياً لكل فرد راغب في اقتحام الميدان بغض النظر عن إلمامه بالعلوم السياسية، وفهمه للتاريخ، وإجادته للغة، وسعة اطلاعه، وثقافته العامة.

حبذّا لو ثمّنا صمتنا أحياناً، واخترناه على حساب حاجتنا إلى لعب دور البطولة، والتنفيس عن الحماسة والاندفاع، فالله وحده أعلم بتأثير سهامنا الشاطحة.