آلية عسكرية في طرابلس.(أرشيف)
آلية عسكرية في طرابلس.(أرشيف)
الأحد 21 أكتوبر 2018 / 11:56

الحرب في ليبيا تنهك منطقة هشّة من تونس إلى سوريا

حضّ الباحثان جيمس كارافانو وجوشوا مسرفي، في مقال بموقع "ذا هيل" الأمريكي، الولايات المتحدة على الانخراط بشكل أكبر في ليبيا التي تشهد واحداً من أكثر الصراعات المزعزعة للاستقرار في العالم.

الولايات المتحدة لا تستطيع حل مثل هذا الصراع المعقد والغامض، ولكنها الدولة الوحيدة التي لديها النفوذ الكافي للضغط على جميع اللاعبين

 ويشير الباحثان إلى أن ليبيا، التي تقع في شمال أفريقيا، لاتزال تعاني من حالة اضطراب مع تداعيات الصراع الذي يتصاعد في ثلاث قارات، ولا تلوح في الأفق أي احتمالات واقعية للتوصل إلى حل قريب، الأمر الذي يحتاج إلى مستوى من المشاركة الدبلوماسية التي لا يمكن إدارتها إلا من خلال الولايات المتحدة، ويجب أن يتم ذلك سريعاً؛ وبخاصة لأن استمرار ضعف ليبيا سيقود على الأرجح إلى تعميق الصراع وإطالته، مما يشكل تهديداً خطيراً بالنسبة إلى المصالح الأمريكية في منطقة حرجة وهشة من العالم.

فصائل متنافسة
ويوضح المقال أنه منذ انتفاضة ما يُطلق عليه "الربيع العربي" وانهيار نظام الديكتاتور معمر القذافي في 2011، فإن ثمة فصيلين سياسيين رئيسيين يتنافسان على السلطة في ليبيا؛ حيث تمتلك حكومة الوفاق الوطني (المدعومة من الأمم المتحدة ومقرها طرابلس) بعض النفوذ في الغرب، بينما تسيطر حكومة تابعة لمجلس النواب في طبرق على الشرق.
وعلاوة على ذلك، تتوافر في ليبيا مجموعة من الجماعات المسلحة التي تعمل في جميع أنحاء البلاد؛ إذ يقود الجنرال خليفة حفتر ما يسمى بالجيش الوطني الليبي الذي يتوافق مع مجلس النواب، بينما تدعم كتائب مصراته حكومة الوفاق الوطني، وعلى الرغم من ذلك فإن كتائب مصراته (مثل الجيش الوطني الليبي) هي عبارة عن ائتلافات فضفاضة ذات ولاء متغير للفصائل السياسية.

ويضيف المقال أنه توجد أيضاً ميليشيات مستقلة أخرى، وبعضها تتألف من عصابات للجريمة المنظمة تقوم بتهريب الأسلحة والنفط وحتى البشر، كما تنشط ميليشيات الجماعات الإرهابية المتطرفة مثل القاعدة وداعش التي تضررت من فقدان معقلها في مدينة سرت الساحلية في عام 2016، بيد أنها بدأت تستعيد نشاطها.

استجابة غير فعالة
ويصف الباحثان استجابة المجتمع الدولي للاضطرابات التي مزقت ليبيا بأنها كانت "غير فعالة"، وتركت فراغاً شغلته القوى الأجنبية من أجل تأمين مصالحها داخل ليبيا، وأحيانا تتقاطع تلك المصالح، ولكن في أوقات أخرى تتعارض وتؤدي إلى نتائج عكسية لا تقود إلى تحقيق حل سياسي دائم.

وعلى الرغم من أن حفتر يتلقى دعماً من بعض الدول العربية باعتباره حصناً ضد الجماعات الإرهابية في ليبيا التي تحصل على المساعدات من قطر، فإن الأمم المتحدة لا تعترف إلا بحكومة الوفاق الوطني، وليس الحكومة الانتقالية بمدينة البيضاء التي أنشأها مجلس النواب الذي يتحالف معه حفتر. وفي الوقت نفسه يتبنى بعض الدول الأوروبية مقاربات متناقضة حول توقيت إجراء الانتخابات الليبية (المقرر عقدها في شهر ديسمبر من العام الجاري)، وتدعم فصائل سياسية مختلفة أيضاً.

ويرى الباحثان أنه في ظل هذا التشويش الفظيع تبرز الحاجة إلى تولي الولايات المتحدة زمام الأمور؛ حيث إنها الدولة الوحيدة التي لديها علاقات مع العديد من الأطراف المعنية وبإمكانها حضهم على تنسيق العمل في ليبيا؛ وعلى الولايات المتحدة اقناع مختلف الجهات الفاعلة هناك بالضغط على عملائها الليبيين لتحقيق اتفاق سياسي حقيقي واعتبارهم مسؤولين عن ذلك، فضلاً عن بذل الجهود للحد من التأثير المدمر للأزمة الليبية على الدول المجاورة مثل تونس.

حقول النفط
ويلفت المقال إلى أن استثمار الجهود الأمريكية في ليبيا سيحقق الكثير من المنفعة؛ لاسيما أن الاضطرابات الدائرة في ليبيا تقوض محاربة المجموعات الإرهابية المختلفة المنشرة في جميع أنحاء البلاد، وفي السابق كانت ليبيا تزود السوق العالمية بقرابة مليون برميل من النفط يومياً. ويحذر الباحثان من تداعيات استيلاء الجماعات الإرهابية المسلحة (التي تحاول القيام بذلك بالفعل) على حقول النفط، حيث سيكون من الصعب القضاء عليها، فضلاً عن إهدار الأموال المتاحة لإعادة إعمار البلاد وتقليل إمدادات النفط العالمية.

ويحذر أيضاً المقال من تداعيات تدفق المهاجرين إلى أوروبا عبر ليبيا، وعلى الرغم من إبرام إيطاليا لسلسلة من الصفقات في ليبيا لتخفيف المشكلة، فإن الجهد الإيطالي ربما لا يكون مستداماً إلى أجل غير مسمى، حيث إن من سيتولى السيطرة على طرق التهريب وطرق المهاجرين التي انتشرت في ليبيا، سوف يتحكم في تدفق المهاجرين إلى أوروبا.

صراع معقد
ويشدد الباحثان على أن الفراغ في ليبيا قد جذب الاهتمام الروسي أيضاً؛ إذ تقترب ليبيا من أوروبا والشرق الأوسط ولديها الكثير من النفط، إضافة إلى موقعها باعتبارها مركزاً للمهاجرين، وكلها أمور تجعل من ليبيا مكاناً مثالياً بالنسبة لروسيا لممارسة أفعالها الشريرة بأقل كلفة إذا ما اكتسبت نفوذاً كافياً.

ويخلص الباحثان إلى أن عدم الاستقرار في ليبيا يتسبب بإجهاد منطقة هشة فعلاً؛ وتعاني تونس على وجه الخصوص من تداعيات هذا الأمر، وكذلك البلدان الأبعد مثل مالي وسوريا وغيرها من الدول التي تتدفق إليها الأسلحة الليبية منذ 2011. ولاشك في أن الولايات المتحدة لا تستطيع حل مثل هذا الصراع المعقد والغامض، ولكنها الدولة الوحيدة التي لديها النفوذ الكافي للضغط على جميع اللاعبين للوصول إلى اتفاق حول كيفية التعامل مع ليبيا.