الصحافي السعودي الراحل جمال خاشقجي (أرشيف)
الصحافي السعودي الراحل جمال خاشقجي (أرشيف)
الأحد 21 أكتوبر 2018 / 19:45

في وداع الأستاذ جمال خاشقجي

إعلان السعودية الشجاع عن النتائج الأولية للتحقيق وتحملها للمسؤولية في قضية اختفاء الكاتب الأستاذ جمال خاشقجي قد أتاح لنا نحن من عرفناه وعملنا معه، أن نستجمع أنفاسنا لنحزن عليه بعض الوقت. هذا الاسترخاء الحزين لم يكن ممكناً منذ الثاني من أكتوبر (تشرين الأول) إلا في هذا اليوم.

شغّلوا الترسانة الإعلامية الكبرى التي كانت السبب في ثورات 2011 وحولوا فوهات المدافع صوب المملكة وكان هدفهم من هذه المعركة الرهيبة التي لا زالت قائمة هو حجب الثقة عن ولي العهد السعودي

سيكون ههنا حديث للعقل وآخر للقلب، وكل منهما يريد أن تكون له البداية. الكتابة عن أبي صلاح، تشبه السير في منطقة ألغام، ويزيد الأمر صعوبة ما للأمر من أبعاد شخصية، فصله من رئاسة تحرير جريدة الوطن في 12 مايو (أيار) 2003 كما هو معروف في أوساطنا الصحافية، كان بسبب مقال لكاتب هذه السطور عن مسؤولية الفقيه ابن تيمية ودوره في كارثة الإرهاب، أيام ما كنا نستيقظ في الرياض على الانفجارات واكتشاف الخلايا الإرهابية التي تضم مئات المراهقين من أبنائنا.

أيامها تغير وجه الدنيا لي وللأستاذ جمال، ففصل من عمله الذي كان باشره حديثاً، ومُنعت أنا من الكتابة لفترة ليست بالقصيرة، وتعرضتُ لمضايقات يحتاج سردها لكتاب، وليس هذا وقتها.

بعد تلك الحادثة، كانت لنا لقاءات يسودها الاحترام ويتخللها الاختلاف، الاختلاف الأساس دائماً هو الموقف من جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، إذ كان رحمه الله يصر على الظن الحسن بهم. لا شك عندي أبداً، أنه لم يكن يتصور أنهم سيستغلون حتى موته بهذه البشاعة الرهيبة في محاولة منهم لإلحاق الضرر بالوطن الذي يحبه.

بالأمس القريب تم اكتشاف أكثر من ألفي جثة تحت أنقاض الموصل ولم تتحرك لها إنسانية الترسانة الإعلامية القطرية، لأنها مشغولة باستغلال قضية جمال ضد السعودية.

بدأ هذا منذ أكثر من أسبوعين، حين وجدنا أنفسنا ذات صباح، في معركة مباغتة مع الترسانة الإعلامية القطرية الرهيبة التي دمرت ليبيا، وسوريا، وكادت تدمر مصر في زمن الثورات المشؤومة. كان من الواضح أن الترسانة الرهيبة تلك تستهدف ولي العهد السعودي كنوع من الانتقام، ولم يكن همها مقتل جمال، بقدر ما كانت تصور لهم أنفسهم المتعجرفة المخدوعة أنهم هم من يحدد من يحكم ومن يسقط.

لقد كتبت في هذا الموقع المحترم، الأسبوع الماضي، أنه إن كان أحدٌ أولى من غيره بالمسؤولية عن مقتل جمال، فهما المخابرات القطرية والمخابرات التركية، لأنهما قد أمطرانا بالأخبار والاتهامات دون أن يقدما قضية قانونية حقيقية، تتحدث عن ميت ولا نرى ميتاً، وتتحدث عن تسجيلات ولا نسمع تسجيلات ولم يسمعها أحد.

تتحدث عن سعودي مقتول في قنصلية بلاده، ومن له مسكة من عقل يعلم أن الأستاذ خاشقجي لم يفعل ما يوجب القتل، ولو وصلت الأمور إلى القتل، فمن الجنون أن يُقتل في قنصلية بلاده، لأن تصفية كاتب عالمي مشهور لن تمر بسلام وستحدث بلبلة كبيرة بلا شك، إلا إنه اتضح في النهاية أن من قتلوه هم فعلا مجموعة من القتلة المارقين المجانين ممن لم يعرفوا قدر الصلاحيات التي منحتها الدولة لهم والثقة التي وُضعت فيهم.

ومع هذا، لا يزال عندي تصور أنهم هم أنفسهم لم يريدوا قتله، لكن يبدو أن الأستاذ جمال بما عرفناه عنه من شجاعة، قد قاومهم فحدث ما حدث.

في الأسبوعين الماضيين أمطرتنا قناة الجزيرة ودكاكينها الفرعية بعواصف محملة بآمال طموحة جداً وبسلسلة من الأخبار التي لا تقف عند حد. وكما أشرت آنفاً، لقد شغّلوا الترسانة الإعلامية الكبرى التي كانت السبب في ثورات 2011، وحولوا فوهات المدافع صوب المملكة وكان هدفهم من هذه المعركة الرهيبة التي لا زالت قائمة هو حجب الثقة عن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

ما حدث في الحقيقة، كان انقلاباً عن بُعد ضد محمد بن سلمان، لكن حلمهم لم ولن يتحقق، فالبلاد السعودية عن بكرة أبيها لن تفرط في الأمير محمد بن سلمان.

لماذا خلصتُ إلى هذه النتيجة؟ أولاً لأنني أجزم أنه ليس هناك عداء شخصي بين ولي العهد وبين الأستاذ جمال. فولي العهد لا يملك الوقت الذي يسمح له بمتابعة أخبار المعارضة، والأستاذ جمال حتى اللحظة الأخيرة يثني على رؤية ولي العهد 2030، وأيد حملته على الفساد، وبارك مشاريعه الاقتصادية، وقرار الانفتاح على عالم السياحة، وتمدين الدولة.

ثانياً، محمد بن سلمان بالنسبة لنا نحن أهل المملكة، هو رجل قام بإصلاحات حقيقية. لمسنا هذا بأنفسنا في شتى المجالات، وحقق كل ذلك في فترة قصيرة جداً بسبب إلحاحه وإصراره على الإنجاز.

لا يوجد إنسان سوبرمان، لكن محمد بن سلمان هو الرجل الذي جعل السعودية تفيق وتفكر جدياً في عصر ما بعد النفط، وهو شاب يملك رؤية حقيقية تسعى لتحقيق التنمية المستدامة التي غفلنا عنها زمناً طويلاً.

لقد حقق إصلاحات سياسية واجتماعية لا تخطئها العين وقضى على كثير من المظاهر السلبية، وفوق هذا، ها هو يبذل جهوداً واضحة لجعل المملكة مستقرة اقتصادياً بحيث لا تبقى تنتظر خروج آخر برميل نفطي من الأرض، إنه الوحيد التي تحدث عن طريق الخروج من صحراء التيه، فكيف يتصور أعداؤه أننا سنفرط فيه؟