الطالبة الأمريكية من أصل فلسطيني لارا القاسم (أرشيف)
الطالبة الأمريكية من أصل فلسطيني لارا القاسم (أرشيف)
الأحد 21 أكتوبر 2018 / 19:43

أكثر من وصمة والمزيد في الانتظار..!

أصيبت إسرائيل بوصمتي عار في يوم واحد، قبل ثلاثة أيام، باعتراف رئيس حكومتها نتانياهو، ووزير داخليتها، آرييه درعي. لحقت بها وصمة عار أولى عندما ألقى حجاي إلعاد، الأمين العام لمنظمة "بتسيلم" الإسرائيلية خطاباً أمام مجلس الأمن، وأصابتها الثانية، في اليوم نفسه، بعدما قررت محكمة العدل العليا الإسرائيلية السماح لطالبة أمريكية بدخول البلاد.

المعركة بين معسكر اليمين القومي ـ الديني، الذي يمثّل شاس أحد أركانه، وبين معارضيه على اختلاف دوافعهم السياسية والأيديولوجية، تتمحور الآن حول مكان ومكانة المحكمة العليا

تُعنى "بتسيلم"، وهي جمعية إسرائيلية غير حكومية، بحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، وقد نشأت قبل ثلاثة عقود، وتُعتبر من أبرز الجمعيات العاملة في هذا المجال، وأكثرها صدقية.

ومن المؤكد أن في دعوة أمينها العام لإلقاء خطاب في مجلس الأمن ما يمثل اعترافاً بأهمية الجمعية من ناحية، ويعزز حضورها في المحافل الدولية من ناحية ثانية.

في مجرد وصول الجمعية إلى مجلس الأمن ما يُمثل سبباً كافياً لإزعاج الحكومة الإسرائيلية، وما أدراك إذا تكلم أمينها العام، في مجلس الأمن، عن أوجه للشبه بين نظام الاحتلال الإسرائيلي السائد في المناطق المحتلة، ونظام التمييز العنصري البائد في جنوب أفريقيا؟ ففي تشبيه كهذا خاصة إذا جاء على لسان يهودي إسرائيلي ما يرقى في نظر نتانياهو إلى وصمة العار.

من الواضح أن حساسية نتانياهو ومعسكر اليمين القومي  الديني إزاء ما يندرج في، ويرقى إلى، وصمة العار في ازدياد، خاصةً إذا وصل الأمر بأمين عام "بتسيلم" إلى وصف قرار هدم قرية الخان الأحمر شرقي القدس، بجريمة حرب تتمثل في الطرد القسري لمحميين، من جانب القانون الدولي، في أرضٍ محتلة.

وشاءت الصدف أن تتجلى هذه الحساسية، في اليوم نفسه، على لسان وزير الداخلية آرييه درعي، الذي اكتشف وصمة عار جديدة في مجال آخر.

فعلى مدار الأسابيع القليلة الماضية أوقفت سلطات الأمن الإسرائيلية، واحتجزت، طالبةً أمريكيةً من أصول فلسطينية في مطار بن غوريون، ومنعتها من دخول البلاد. وفي هذا السياق لجأت الطالبة، التي حصلت على تأشيرة دخول مُسبقة إلى إسرائيل، إلى القضاء حتى وصل الأمر إلى المحكمة العليا.

برّرت أجهزة الأمن الإسرائيلية الاحتجاز والمنع بنشاط الطالبة المعنية في الأوساط الطلابية، وحركة مقاطعة إسرائيل في الولايات المتحدة، ولكن المحكمة العليا لم تقتنع بما قدمت الأجهزة من أدلة، وأغلبها عبارة عن منشورات على صفحات التواصل الاجتماعي، وألغت قرار المنع.

وقد كان هذا كافياً لتمكين درعي من رؤية وصمة عار جديدة على جبين المحكمة.

ولعل من المفيد التذكير، هنا، أن درعي الذي يتزعّم حزب شاس، لليهود الشرقيين، خريج سجون، وسبق له أن سُجن في قضايا فساد، وخرج من الحكومة في سنوات سابقة بعد أكثر من فضيحة.

ولكن هذا مجرد تفصيل صغير، وينبغي ألا يحجب حقيقة أن المعركة بين معسكر اليمين القومي الديني، الذي يمثل شاس أحد أركانه، وبين معارضيه على اختلاف دوافعهم السياسية والأيديولوجية، تتمحور الآن حول مكان ومكانة المحكمة العليا، التي يرى فيها معسكر المعارضين آخر الحصون في وجه الشعبوية السياسية الساعية إلى تقويض عناصر الديمقراطية في النظام السياسي الإسرائيلي، وتعزيز الخصوصيات الحصرية القومية والدينية.

بمعنى آخر، يُمكن تفسير ما رأى فيه رئيس الحكومة الإسرائيلية، ووزير داخليتها، وصمة عار، بضيق معسكر اليمين القومي الديني في إسرائيل من وجود معارضين يهود، سواءً كانوا من مواطني الدولة، أم من خارجها، إذ لهؤلاء صدقية يُعتد بها في المحافل الدولية، ولا يمكن لأحد اتهامهم بعداء السامية.

ولأمر كهذا أهمية خاصة في الواقع، فاليمين القومي الديني في إسرائيل، وخارجها، يحاول إعادة تعريف العداء للسامية لا بوصفه جملة من التحيزات العنصرية ضد اليهود وحسب، بل ويُضيف إلى هذا التعريف كل نقد محتمل للدولة الإسرائيلية، أيضاً.

وفي مجرد اكتشاف "وصمة عار" في كلام مواطن إسرائيلي في مجلس الأمن، أو في حكم لقاضٍ في المحكمة العليا، ما يعني أن مخاطر هذا المعسكر لا تنحصر في موقفه من الفلسطينيين، مثلاً، بل تشمل موقفه من اليهود الإسرائيليين، ويهود العالم، أيضاً.

ثمة مخاطر فادحة، والأكيد أن المزيد من وصمات العار في الانتظار.