رئيسا الوزراء المكلفان اللبناني سعد الحريري والعراقي عادل عبدالمهدي (أرشيف)
رئيسا الوزراء المكلفان اللبناني سعد الحريري والعراقي عادل عبدالمهدي (أرشيف)
الإثنين 22 أكتوبر 2018 / 20:35

لبنان بلا حكومة.. والعراق أيضاً

يتكرر السيناريو وينشغل لبنان كله في السعي إلى تشكيل حكومة توافقية تنسجم مع نظام المحاصصة الطائفية القائم وترضي زعماء الأحزاب في معسكري آذار...ثامنه والرابع عشر منه.

بلدان عربيان بلا حكومة، وبلدان عربية أخرى تخضع لحكومات مليشاوية كما في اليمن وليبيا، ورغم ذلك يواصل الإعلام العربي التغني بالديمقراطية ونزاهة الانتخابات

وكذلك ينهمك العراقيون في الجهد المضني لتشكيل حكومة ترضى بها المرجعيات، وتكون مقنعة للمكونات الطائفية والعرقية في بلد لجأ بعد انهياره إلى المحاصصة السياسية التي ترضي واشنطن وطهران، قبل أن ترضي العراقيين.

وحتى كتابة هذه المقالة لم يلح في أفق بيروت أو بغداد، ما يوحي بالقدرة على تحقيق المعجزة وتشكيل الحكومة، لأن القرار في بيروت ليس لبنانياً فقط، ولأن القرار في بغداد لم يكن عراقياً منذ الاحتلال وبدء التقاسم الوظيفي بين الولايات المتحدة وإيران في إدارة البلاد.

في لبنان، أصبح الأمر أكثر تعقيداً، ولم يعد الصراع على المكاسب محصوراً بين المعسكر الإسلامي بشقيه السني والشيعي، والمعسكر المسيحي بأغلبيته المارونية، فقد تقسمت البلاد بين تكتلين سياسيين يضم كل منهما مسلمين، ومسيحيين، ودروزاً، وصار لبنان كله تحت رحمة التوافق بين القوى السنية والمسيحية المنخرطة في تكتل 14 آذار (مارس) والقوى الشيعية، والمسيحية المنضوية في تكتل 8 آذار، والذي يتشارك في زعامته رئيس الجمهورية، ورئيس الميليشيا الأكبر في الدولة.

ورغم أن الحكومة لا دور سياسياً لها، وتنحصر مهماتها في إدارة البلاد، وتنفيذ المشروعات الخدمية للمواطنين، إلا أن الصراع المشتعل على تشكيلها يوحي وكأنها حكومة سياسية بالفعل، وأنها ستحدد مسار لبنان حاضراً ومستقبلاً.

مرد ذلك أن سدنة المحاصصة يرون في "معركة التشكيل" فرصة لإثبات التفوق، وينظرون إليها وكأنها اختبار للقوة والنفوذ، ويمضون في سياسة لي الأصابع لتحقيق نتائج يعتبرونها انتصارات كاسرة لعظام المهزومين.

يجري ذلك بالطبع دون الإلتفات إلى حاجة اللبنانيين جميعاً إلى حكومة تلتزم بتطبيق القانون وتؤدي واجباتها الأساسية في تقديم الخدمات وتلبية احتياجات الناس.

ويبدو أن ما يريده الناس لا يرقى في أهميته إلى ما تريده القوى المتصارعة ومرجعياتها في طهران وواشنطن وعواصم أخرى.

في العراق أيضاً، تستمر "معركة التشكيل" ويواصل رئيس الوزراء المكلف بحثه المضني على أعضاء فريقه الوزاري الذي ينبغي أن يرضي السنة، والشيعة، والكرد في البلاد، بعد أن يحظى بالرضى الإيراني والإجازة الأمريكية.

ويمكن أن تستمر هذه المعركة إلى ما شاء الله دون الاكتراث بملايين العراقيين المحرومين ليس فقط من الخدمات الحكومية، ولكن من توفير المقومات الأساسية للحياة كالأكل، والشرب، والسكن، ناهيك عن العمل، والمشاركة السياسية، والرفاهية الاجتماعية.

وقد أصبح الوضع في العراق أيضاً أكثر تشابكاً وتعقيداً من زمن الانهيار الكبير، فقد أعادت الكثير من القوى الفاعلة، وعلى الأخص القوى الشيعية، تموضعها السياسي، وابتعد بعضها عن طهران ليقترب من محيطه العربي، فيما ظهرت تشكيلات جديدة تلجأ إلى الحسم بالسلاح في ترجمة ولائها لإيران، وتنفيذ الأجندة الفارسية في بلاد الرافدين.

وكان من المفجع حقاً التعاطي مع هذه التشكيلات باعتبارها تشكيلات سياسية ينبغي أن تقضم قطعتها من كعكة المحاصصة بعد أن تمت شرعنتها واعتبار قواتها قوات حكومية كما الجيش العراقي.

لا نعرف حتى اللحظة حظوظ سعد الحريري وعادل عبد المهدي في النجاح بتشكيل حكومتين منسجمتين مع شروط المحاصصة، لكننا نعرف أن أياً منهما لن تكون مقبولة للبنانيين الذين يقدمون لبنانيتهم على أي انتماء آخر، والعراقيين الذين يتشبثون بعروبة عراقهم رغم الاحتلال والقمع الطائفي ومؤامرات التقسيم.

بلدان عربيان بلا حكومة، وبلدان عربية أخرى تخضع لحكومات مليشاوية كما في اليمن، وليبيا، ورغم ذلك يواصل الإعلام العربي التغني بالديمقراطية، ونزاهة الانتخابات.