احتجاج في رام الله (أرشيف)
احتجاج في رام الله (أرشيف)
الثلاثاء 23 أكتوبر 2018 / 20:38

القطب المخفية في احتجاجات رام الله

تتخطى دلالات احتجاجات الفلسطينيين في الضفة الغربية على قانون الضمان الاجتماعي وردود الفعل التي أعقبتها الهوامش التقليدية لغياب الرضا، أو القلق من الأوضاع المعيشية في مرحلة الشيخوخة لتصل الى ما هو أبعد من ذلك.

لم يحل تمييز قيادة السلطة لفلسطينيي الضفة وإخضاعهم لمعايير أمنية واقتصادية مختلفة دون فقدانهم الثقة فيها واطلاقهم الهتافات المشككة بها

يمكن اختصار الأسباب المباشرة لخروج الجموع الغاضبة الى شوارع رام الله بإلزامية قانون الضمان وارتفاع نسبة الاقتطاع الشهري من العامل والمشغل وآليات احتساب مخصصات نهاية الخدمة وسن التقاعد، لكن الهتافات التي أطلقت في التظاهرة تجاوزت البعد المطلبي المفترض، والمتمثل بتغيير القانون أو تعديله لتشكك في نزاهة صناع القرار وتكشف حالة من انعدام الثقة بين فلسطينيي الضفة الغربية والسلطة التي تدير شؤونهم.

مقارنة ضخامة التظاهرة وملابساتها وظروفها بفعاليات التضامن مع غزة، أو ما يجري في منطقة الخان الأحمر التي لا تبعد عن رام الله أكثر من 25 كيلومتراً، يمكن قطعها بنصف ساعة بالسيارة، تكشف تراجع الاهتمام بالبعد الوطني مقابل المعيشي في الضفة الغربية الأمر الذي يتجنب السياسيون الفلسطينيون الحديث عنه ولا يغيب عن تعليقات المنتقدين في القطاع والقدس ومناطق الشتات.

توحي الاحتجاجات الأخيرة أيضاً، واحتجاجات أخرى سبقتها مثل تظاهرة المعلمين بقدرة النقابات على التحشيد من أجل القضايا المطلبية في الوقت الذي تعاني الفصائل من غياب القدرة على مخاطبة الشارع.

النتائج التي خلص إليها استطلاع أجراه مركز القدس للإعلام والاتصال تضيف جديداً لهذه الاستنتاجات والإيحاءات حيث تبين ارتفاع نسبة مؤيدي حل الدولة الواحدة إلى 30% من المستطلعة آراءهم على حساب حل الدولتين، وهي نسبة غير مسبوقة.

نتائج وملابسات الاحتجاجات والاحصاء تلتقي في سياق متغيرات مزاج فلسطينيي الضفة الذين كانوا أكثر التزاماً بشعار الدولة الواحدة المرفوع منذ عقود وقدرة على التعايش مع فساد السلطة وفي أي حال من الأحوال لا يمكن عزل هذه الاستنتاجات عن الظروف التي مروا بها خلال ربع قرن مضى حيث تم ربطهم بنمط حياة استهلاكي ميزهم عن بقية المجتمعات الفلسطينية وساهم في خلخلة وحدانية النظرة للقضية الأم وتحويلها إلى قضايا جزئية مبعثرة على سلم الأولويات.

في المقابل لم يحل تمييز قيادة السلطة لفلسطينيي الضفة وإخضاعهم لمعايير أمنية واقتصادية مختلفة دون فقدانهم الثقة فيها واطلاقهم الهتافات المشككة بها وميلهم إلى حل سياسي يخرجهم من إطار السيطرة الراهن أو يدخل معايير وقوانين مختلفة على معادلة إدارة حياتهم اليومية والتعليقات التي تتردد هناك تفيد بانبهارهم بمستوى معيشة أشقائهم في مناطق الـ "48" ورغبتهم بالمساواة معهم في دولة واحدة.

تأتي التحولات التي تكشف بعضها مع الاحتجاج على قانون الضمان الاجتماعي الفلسطيني، والاحتجاجات السابقة نتيجة لمسار سياسي أثبت عقمه وعجزه عن رؤية القطب المخفية في الاحتجاجات ويتجاهل أصحابه بقصد أو بغير قصد المياه التي جرت في النهر خلال ربع قرن مضى ويتعاملون مع معطيات عفا عليها الزمن، ما يعني أن الإفرازات المستقبلية للاداء والنهج المعمول به لن تكون أفضل مما تم الوصول إليه، وأن سياسة صم الآذان المتاحة اليوم لن تكون ممكنة في وقت لاحق.