محتجون على مشروع قانون الضمان الاجتماعي الفلسطيني (أرشيف)
محتجون على مشروع قانون الضمان الاجتماعي الفلسطيني (أرشيف)
الخميس 25 أكتوبر 2018 / 20:05

أحاديث جانبية

رغم أن المتحدث باسم وزارة العمل في السلطة الفلسطينية قدر عدد المتظاهرين المحتجين على قانون الضمان الاجتماعي الذي وضعته وزارته، بأقل من 1500 متظاهر، إلا أن العدد كان أكبر من ذلك بأضعاف.

مؤسسات القطاع الخاص الكبرى، في غالبيتها، وبعضها متضرر من فكرة أي قانون للضمان، تدفع باحتجاجها عبر الشقوق والثغرات الكثيرة التي تعتري قماشة القانون المقترح

تصريح المسؤول في الوزارة جاء في سياق سلسلة من التصريحات الرسمية كانت أقرب إلى سلسلة من العثرات وسوء التدبير والارتجال، التي بدأها الوزير نفسه بتعبير، لا أظنه مقصوداً، ولكنه يعكس، دون شك، البيئة والأجواء التي جرى فيها إعداد القانون، الذي من المفترض أنه سينظم حياة الفلسطينيين وسيمنحهم الإحساس بالأمان المعيشي الذي يفتقرون إليه في بلاد تقع تحت احتلال استيطاني يقونن فاشيته من خلال "آلية ديمقراطية" وعقيدة دينية مغلقة، ويواصل اجتياحه ليوميات الفلسطينيين ومكونات حياتهم، من تدمير موسم الزيتون إلى محاولة تهجير قرية "الخان الأحمر" مروراً باقتحام فناءات المسجد الأقصى والاعتداء على الكنيسة القبطية في القدس.

اقترح الوزير تجاهل طلبات "المدام" والاتجاه للانضمام لمؤسسة الضمان. وهو اقتراح يُمكن أن يكون مناسباً لإعلان تلفزيوني مبتذل في أفضل نسخه، لقد جرى الفتك بالتصريح وتفكيكه والبناء عليه في موجة شعبية ساخرة على منصات التواصل الاجتماعي.

بعد ذلك ستأتي إحصائية المسؤول حول عدد المحتجين، ثم سنستمع في موجة لاحقة إلى نصائح من سيدة، مسؤولة تحذر المواطنين، المرتبكين أمام تسونامي الترهيب من المستقبل، من أنهم سيضطرون إلى مد أيديهم والتسول من أبنائهم إذا لم يُقر "القانون" الذي سينقذهم من مصير المتسولين الذي ينتظرهم!.

التحذير الأخير ينطلق، كما هو واضح، من فكرة الوزير نفسها عن العائلة.

رئيس الوزراء "رامي الحمدالله" أعلن بعد جلسة مجلس الوزراء الأسبوعية عن "الانفتاح" على التعديلات ولكن القانون سيُعتمد!.

مؤسسات القطاع الخاص الكبرى، في غالبيتها، وبعضها متضرر من فكرة أي قانون للضمان، تدفع باحتجاجها عبر الشقوق والثغرات الكثيرة التي تعتري قماشة القانون المقترح.

في "الخليل" جنوب الضفة تم تنظيم تظاهرة احتجاجية جديدة، لم تحظ بـ"عداد" رسمي كما حصل للمظاهرة الأكبر في "رام الله".

في أقصى الجنوب تصل كتائب دبابات جديدة، الكثير من "الميركافا" تتموضع على "الحدود" مع غزة ويتضاعف عدد القناصين من جنود الاحتلال خلف السياج، ويواصل ليبرمان، وزير الحرب الاسرائيلي" العبث بصنابير الوقود التي "تبرعت" بها قطر من وراء ظهر السلطة وباتفاق ثلاثي، إسرائيلي قطري إخواني، بمباركة من "ميلاديف" ممثل اللجنة الرباعية، بينما تواصل حماس مناورتها الدموية ودفع أعداد جديدة من الشبان نحو خطوط "الميركافا" وأبراج القناصين.

ويتعقد الجدل في رام الله حول صلاحيات المجلس المركزي لمنظمة التحرير، وهو مجلس يشوب طريقة اختياره الكثير من الريبة والشكوك، بينما ترتفع دعوات لمنحه حق حل "المجلس التشريعي" الذي تشكل بعد انتخابات 2006.

الحقيقة التي يعرفها الشارع الفلسطيني يمكن اختصارها ببساطة في أن المجلس التشريعي قد فقد حق الولاية منذ سنوات طويلة، وأن أعضاءه يتطفلون على ميزانية السلطة وجيوب دافعي الضرائب وقوت أولادهم منذ أكثر من عقد من السنوات، وأن المجلس المركزي لا يتمتع بالمصداقية الكافية التي تمنحه صلاحيات من أي نوع.

وأن الصراع الذي تثور أغبرته والفقه القانوني الذي يصاحبه، لا يعني هذا الشارع الذي يواصل نفض يديه من "معارك" المصالحة ودوريات البحث عن الوحدة التي تضاءل أمل العثور عليها.

ثمة غياب مأساوي للغة هنا، غياب وصل إلى أقصاه وشمل كل شيء تقريباً، قانون الضمان الذي سينظم معيشة الناس، وترتيب البيت الوطني الذي سيضع توجهات المستقبل السياسي، أحاديث جانبية تماماً، هذا ما يحدث هنا منذ فترة طويلة.أحاديث جانبية تجري في حلقات منعزلة لا يتوقف عندها المارة وطالبي الحاجات.

غياب للثقة تسببت فيها سياسات فوقية وحسابات صغيرة، وفاقمتها مخيلة ضيقة وطموحات فردية مثيرة للأسى.

في مظاهرة رام الله الاحتجاجية ضد صيغة قانون الضمان كانت هناك لافتة صغيرة تقول، بما معناه، إن "قانون الضمان بحاجة الى ضمان"، أظن أن هذا يوضح الأمر.