رئيسة أثيوبيا الجديدة سهلي ورق زودي .(أرشيف)
رئيسة أثيوبيا الجديدة سهلي ورق زودي .(أرشيف)
الجمعة 26 أكتوبر 2018 / 18:41

كائن خال من العواطف

لا زال بيننا من يتساءل من الجدوى من تعيين النساء وهن المعروفات بعاطفيتهن المفرطة، وبعدهن عن المنطق، وتأثرهن بهرموناتهن، وغددهن، ومعدّل الرطوبة، وموقع زحل

وقفت سهلي ورق زودي أمام البرلمان الأثيوبي، رفعت يدها اليمنى وأدّت القسم الدستوري لتُعيّن كأول رئيسة في تاريخ البلاد.
وقفت منتصبة القامة أمام ثقافة يقول أحد أمثالها الشعبية، "الصدر الذي يحمل الحليب لا يمكن أن يحتوي على الحكمة".
وقفت برأسها المرفوع، وهي ابنة ثقافة تردد بسخرية مقززة، "حكمة المرأة وضوء النجوم كلاهما لن يصل بك بعيداً".
وقفت لترأس دولة أكثر من نصف أعضاء حكومتها الجديدة من النساء، على الرغم من أنهن ينتمين إلى شعب يعتقد أنه "حيثما تكون هناك العديد من النساء، يفسد الملفوف"، في إشارة إلى عجزهن الفطري عن التدبير والعمل الجماعي.

وقفت أمامهم، وعوضاً عن "اللت والعجن" –وهو تنميط آخر يتصل بالنساء، وكأنما الرجل معصوم من الثرثرة- لمحاولة التنصل من القوالب التي وُضعت فيها المرأة قسراً، بدا وأنها ترتدي إحدى التُهم المُوجّهة إلى المرأة كالوسام الفاخر على ثيابها البيض.
إنها العاطفة.

لقد قالت زودي مخاطبة البرلمان والشعب من خلفه، "أحثكم جميعاً على المحافظة على السلام، باسم الأمهات اللواتي يكن أول من يعاني من غياب السلام".
كلمات قليلة، ولكنها تختصر الكثير لنا نحن في جزيرة العرب، وكأنما تؤوي حيرتنا على غرار إيوائها لأجدادنا وأسلافنا في هجرتهم إلى الحبشة.
فلقد شاءت الصدف أن يتزامن مع تنصيب زودي رئيسة في أثيوبيا إعلان الكويت عن السماح بتعيين النساء بالقضاء بدءا من 2019.

وعلى عكس توقعاتي المتفائلة بهذا النبأ، تحوّلت الزغاريط من "لولوليش" الفَرحة، إلى "لولو...ليش؟" المرفقة بعلامات الاستفهام والتعجّب، حتى سعدت بأني "ما أعرف أيبب"، كما تقول الفتيات في المسلسلات الخليجية.

فلا زال بيننا من يتساءل من الجدوى من تعيين النساء وهن المعروفات بعاطفيتهن المفرطة، وبعدهن عن المنطق، وتأثرهن بهرموناتهن، وغددهن، ومعدّل الرطوبة، وموقع زحل.

إن اللغط الذي أثاره الموضوع -لا سيما مع نشر إحدى الحسابات الشهيرة في "تويتر" استفتاء تخطى الـ25 ألف مشارك حول موقفهم من تعيين المرأة بالقضاء- بات يستدعي أن تقرر كل نسائنا المشي على خطى زودي.

لا تسعي مطلقاً إلى إنكار الصور النمطية والأحكام المسبقة التي تُعلّق على حللهن الرسمية لتحرمهن من تولي المناصب القيادية، ولا تحاولي التملّص من تلك الميزات التي قررت البطريركية بأنها نقاط ضعف تشوهنا وتعيبنا، فقط لتتم تنحيتنا عن الحياة.

فأعتقد بأن حقل الملفوف –كما يقول المثل الإثيوبي الحقير- يفسد لأننا كنساء ينتهي بنا المطاف نضيّع مواردنا في إثبات القوى الخفية لقدراتنا على التعاطف، واللطف، واللين، والعناية بالآخرين، والتسامح، في مقابل التمجيد المعهود للقوة والبطش والفخر والانتهازية. ناهيك عما ننفقه من جهد ووقت في محاولة إقناع المؤدلجين والمتعرّضين لعقود من التربية الذكورية إلى أن هذه السمات ليست حكرا على جنس دون آخر أصلا!
صرّحن بعيوبكن المزعومة، ودعن لهم حرية الجدال والمعارضة والانتقاد وطرح الاستفتاءات.