تعبيرية.(أرشيف)
تعبيرية.(أرشيف)
الجمعة 26 أكتوبر 2018 / 19:02

الحرية الممزّقة بين الدين والمجتمع!

نجد أن الحرية هي جوهر الإنسانية وبدون الحرية تنتفي صفة الإنسان ويصبح أقرب للجماد أو الحيوان

كانت قضية الحرية ولاتزال وستبقى، القضية الإشكالية الكبرى التي تعد بمثابة الطريق القسري الذي كان لزاماً على كل الأنبياء والأتقياء والمصلحين والفلاسفة المرور فيه لنشر دعواتهم للبشر. فبدون الحرية وأشكالها والقيم المرتبطة بها ستكون أية رسالة دينية أو فلسفية أو دعوة إصلاحية عديمة الجدوى وناقصة، وربما يكون فهم أرسطو للحرية هو الفهم الذي يحدد القاسم المشترك بين الفلسفات والديانات والدعوات الإصلاحية والتنويرية. فهو يعتقد أن أي شيء يفعله الإنسان سواء أكان صحيحاً أو خاطئاً، عظيما أو حقيراً، فاضلاً أو رذيلاً، هو نابع من حريته الذاتية، وهو وحده المسؤول عنه ولذلك يجب أن يعيش الإنسان هذه الحرية وهذه المسؤولية ليشعر بإنسانيته وبكينونته.

من التعريف "الأرسطي" المشار إليه نجد أن الحرية هي جوهر الإنسانية وبدون الحرية تنتفي صفة الإنسان ويصبح أقرب للجماد أو الحيوان، أما المسؤولية الملاصقة للحرية فتختلف من مجتمع لأخر، ومن بيئة لأخرى ومن دين لأخر أو من عقيدة لأخرى، ومن هنا ومن هذه النقطة المفصلية فرض المجتمع نفسه على الحرية كقيمة عليا واخذ يشكلها بالصورة التى تشبهه وبعد ذلك تسلل شيئاً فشيئاً "حالة مستقلة في المعادلة" حتى فرض سطوته وجبروته على الحرية ومعها الدين وبالتالي بات هو من يحدد مفهوم الحرية ومساحتها وأنواعها ودرجة قبولها من عدمها، ويحدد نوع المسؤولية، أي بمعنى آخر بات المجتمع قوة أكبر من الدين أو شريكاً له في تحديد شكل العقاب والثواب الناتج عن الحرية ومخرجات ممارستها.

ومن هنا كان التمايز والتباين بين التدين ودرجته من مجتمع لآخر، فنجد أن هناك مجتمعات درجة تدينها كبيرة ومتزمتة وأخرى عادية، وثالثة تدينها خفيف، ويمكن الربط بين درجة التدين في أي مجتمع وسطوة العادات والتقاليد بحكم أن الأغلبية العظمى من المجتمعات المتدينة والشديدة التدين استعاضت عن "الدين الحقيقي" بالعادات والتقاليد وأخذت تقدس تلك العادات والتقاليد ودون وعي منها باعتبارها ممارسات للتقرب من الله وهي عملية خداع كبرى للذات، لذلك نجد في مجتمعاتنا الشرقية التي تصنف بأنها متدينة مظاهر متناقضة حد "الخرافة"، فنجد في حالات كثيرة رجلاً يدعي التدين في سلوكه العام لا يراعي أبسط القواعد الأخلاقية في التعامل الإنساني وكذلك بعض النساء اللاتي بات بالنسبة إليهن الحجاب أو النقاب وسيلة لحمايتهن من سخط المجتمع ونقده، وما يترتب عليه من تحقير وعزل اجتماعي وليس التزاماً بالدين وروحه وجوهره، ولو دققنا في شكل الحجاب واللبس مثلاً سنجد أن التناقض بين ما يغطي الرأس "الحجاب" وباقي الجسم هو تناقض صارخ، للدرجة التي باتت بعض "موديلات" الحجاب والملابس التي ترتديها الشابات مثيرة للغريزة والشهوة ومغرية للشباب أكثر من "السافرات" غير المحجبات وبخاصة موضة الجمع بين الحجاب المزركش والتبرج مع لبس الجينز الضيق، وقد رأيت بأم عيني مناظر متناقضة وفاضحة لمثل هذه النماذج على شواطئ عربية وأجنبية، رأيت نساء في أغلبهن عربيات يسبحن في ملابس عادية غير مخصصة للسباحة "المايوه"، وقد التصقت تلك الملابس بأجسامهن للدرجة التي فصلت كل ملامح الجسد ومنحنياته بصورة فاضحة. والملفت هنا أن هؤلاء النسوة يسبحن في البحر أو البركة الفندقية والحجاب يغطى الرأس أو بالأحرى الشعر على اعتبار أن "الشعر فقط هو العورة"، وكثيراً ما كان هذا المشهد موضع جدل ونقاش بيني وبين الأجانب الذين يصدمهم هذا الأمر، فيسألون أولاً لماذا لا تردي تلك المرأة مثلا "المايوه"، الملابس المخصصة للسباحة، ولماذا تحرص على غطاء الرأس داخل الماء دون الالتفات إلى بقية الجسد التي تظهر جميع مفاتنه ؟
 
في الغالب كنت أجيب على تلك الاستفسارات بالقول وأنا اعلم أني أراوغ ولا أقول الحقيقة (أقول إنها عادة من العادات العربية) وأتحاشى التطرق إلى الدين في هذه المسألة كي لا أساهم في تشويه ديننا الحنيف أكثر مما تم تشويهه على أيدى الإرهابيين والقتلة الذين استخدموه مبرراً للنحر والذبح.

نحن بحاجة ماسة إلى ثورة "ثقافية" تحاصر التغول المجتمعي على الإنسان وعلى الدين نفسه والعمل على بناء منظومة ثقافية قادرة على تحجيم وعزل المسلكيات التي تشوه الدين والمجتمع ورفع الغطاء عن البيئة الخصبة للكثير من الأفعال المنافية للأخلاق والقيم الإنسانية والأمثلة على تلك الأفعال كثيرة وكثيرة جداً!