السبت 27 أكتوبر 2018 / 18:19

ثم تجاوزنا الأزمة

وقّعت السعودية في مؤتمر الاستثمار "دافوس الصحراء" يوم الثلاثاء الماضي اتفاقات بأكثر من 50 مليار دولار في قطاعات النفط والغاز والصناعات والبنية التحتية. هذه الصفقات تشتمل على عقود مع شركات "ترافيجورا وتوتال وهيونداي ونورينكو وشلومبرجر وهاليبرتون وبيكر هيوز". لقد جاء النجاح الباهر لدافوس الصحراء واستثماراته الواعدة على عكس التوقعات/ الأماني التي غلّفها خصوم السعودية بأغلفة التحليل الاقتصادي والتقارير العلمية والشعارات التي تدعي التجرد.

وكذلك كان مخيباً لآمالهم وبدرجة أشد، ذلك الخطاب الذي ألقاه الرئيس التركي أردوغان في نفس يوم افتتاح المؤتمر، فقد صوّرت قناة الجزيرة، قناة حمد بن جاسم بعبارة أدق وأوضح وأصرح، لكل مشاهديها بأن يوم الثلاثاء 23 أكتوبر سيكون "يوم الملحمة" لأن الرئيس التركي سوف يُظهر ما عنده، وسوف يقدم تسجيلاً مرئياً أو على الأقل مسموعاً، يدين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان شخصياً، في قضية مقتل جمال خاشقجي رحمه الله.

لقد كان المحلل السياسي المعروف عبد الباري عطوان أصدق خصوم المملكة على الإطلاق، عندما عبّر عن غضبه وألمه من خطاب الرئيس التركي الذي لم يُقدّم الأدلة المزعومة التي كان يُفترض أن تقدّم في ذلك اليوم بالتحديد، ولم يتضمن خطابه أي شيء جديد على الإطلاق. لقد انتظر عطوان ذلك اليوم طويلاً ولكنه فوجئ بأحاديث عامة لا تعني أي شيء بتاتاً. وأنا أستمع لحديث عبدالباري عطوان وهو يعبر عن الخيبة الثقيلة لآماله، خطرت ببالي فكرة لا أدري إن كان أحد قد تحدث عنها من قبل، ألا وهي أنه من المحتمل أن الأتراك فعلاً، لا يملكون أي شيء على الإطلاق، لا مرئيات ولا مسموعات تحتوي إدانة واضحة لأي شخص، هذا وارد جداً من دون جزم.

أما قناة الجزيرة ومن يقف وراءها، وحلفاؤهم من جماعة الإخوان الإرهابية، فقد نزل الخبر عليها كالصاعقة. لم يعبروا بصدق عن مشاعرهم والإحساس بالخيبة التي غمرهم وهم يستمعون للرئيس التركي، فقد اعتادوا الركض إلى الأمام للهروب من الخوازيق التي تجعل مصداقيتهم على المحك، لقد ابتلعوا كل ذلك وانهمكوا في إعداد الأخبار اليومية مشككين في وجود حملة قاموا بها ضد السعودية خلال الأسابيع الماضية. جماعة الإخوان بصفة خاصة والتي تنظر لخطابات الرئيس التركي بشيء من التقديس وتصرّ على أنه لا بد أن يقول شيئاً مفيداً، تحوّل منظّروها في ذلك اليوم من إسلاميين إلى نسخة مقلدة باهتة من الحداثيين، ورفعوا شعار أن للنص ألف معنى، وفي كل مرة يخرجون لنا بقراءة جديدة تحاول بجهد جهيد وتعسف غريب أن تحمّل الكلام ما لا يحتمل وأن تقوّل نص أردوغان ما لم يقله.

أمر آخر كذبت فيه الجزيرة فيما يتعلق بأردوغان، وهو "مناشدته" للملك سلمان بأن يسلمه الـ 18 متهماً ليحاكموا في تركيا "فقناة الجزيرة زوّرت الكلام وحرفته عند الترجمة وقالت يطالب ولم تقل يناشد كما حدث فعلاً، ويبدو أنهم بحاجة لدروس في فقه اللغة العربية حتى يفهموا الفرق بين المناشدة والمطالبة".

الحكومة السعودية لم تردّ على تلك المناشدة فيما أعلم، لأن الجناة سعوديون قتلوا مواطناً سعودياً على أرض سعودية هي القنصلية السعودية في إسطنبول، وهذا يعتبر من الأمور السيادية للدولة ولا يجوز بحال أن يطالِب رئيس دولة بتسليمهم ليقوم بمحاكمتهم في بلاده.

لقد كانت أزمة قاسية لكننا خرجنا منها متعافين وتعلمنا منها دروساً في غاية الأهمية. لقد انتهت الأزمة وأكبر دليل على أننا تجاوزناها، أكبر من كل ما سبق، هو عاطفة الحب التي غمرت المملكة من أقصاها إلى أقصاها، وهي تشاهد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان يتحدث في مؤتمر دافوس الصحراء عن الآمال التي يريد تحقيقها، وأحلامه التي يسعى جاهداً لتحقيقها بأسرع وقت لتطوير منطقة الشرق الأوسط بأكملها وتحديثها وجعل اقتصادها من أقوى اقتصادات العالم. اسألوا كل أفراد الشعب السعودي وسوف يخبرونكم بالحقيقة، لقد بدد محمد بن سلمان كل الشكوك، وجعل القلوب تخفق له بالمحبة، ودمر أعداءه بكلمات قليلة، في دقائق معدودة.