آلية عسكرية عند مفترق في سوريا.(رشيف)
آلية عسكرية عند مفترق في سوريا.(رشيف)
الثلاثاء 30 أكتوبر 2018 / 12:31

الأسد ليس شريكاً موثوقاً.. وعودة اللاجئين غير آمنة

حذر الباحث جاستن روي من استغلال روسيا للاجئين السوريين في لعبتها في سوريا وممارسة الضغوط من أجل عودتهم إلى ديارهم، رغم أن الأوضاع لاتزال غير مستقرة داخل سوريا، مناشداً الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بالتصدي لتلاعب روسيا ومنع أي تحرك لإجبار اللاجئين على العودة قبل الأوان.

نصف المستشفيات والعيادات ومراكز الرعاية الصحية في سوريا إما أنها تعمل جزئياً أو لا تعمل على الإطلاق

ويشير روي، في مقال نشرته مجلة "ناشونال إنترست" الأمريكية، إلى أن الحرب السورية التي دامت أكثر من سبع سنوات أدت إلى تدمير سوريا؛ حيث يقدر البنك الدولي أنه خلال الفترة ما بين عامي 2011 و2016 خسرت سوريا تراكماً قدره 226 مليار دولار في الناتج المحلي الإجمالي. ووفقاً للأمم المتحدة، فقد نزح 11 مليون سوري (حوالي ستة ملايين شخص داخلياً، بينما فر أكثر من خمسة ملايين منهم من البلاد) وثمة أكثر من مليون لاجئ سوري في أوروبا.

أسوأ كارثة إنسانية
ويصف رئيس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة حجم الدمار والتخريب المدمر الذي شهدته سوريا بأنه أسوأ كارثة من صنع الإنسان منذ الحرب العالمية الثانية. وعلى الرغم من ذلك، فإن دعوات نظام الأسد (الذي يستعيد سيطرته على الأراضي السورية) لعودة اللاجئين إلى سوريا تتزايد؛ حيث أعلن وليد المعلم وزير الخارجية السوري في نقاش بالجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 29 سبتمبر(أيلول) الماضي أن الوقت قد حان لعودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم، كما أكد الرئيس اللبناني ميشال عون ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على الأمر نفسه، وأعلنا عن الجهود الروسية لعودة اللاجئين وبخاصة لأن الأوضاع باتت آمنة داخل سوريا.
  
ولكن الباحث يرى أنه على الولايات المتحدة مواجهة التلاعب الروسي باللاجئين والعمل مع المجتمع الدولي لمنع أي تحرك لإجبارهم على العودة إلى ديارهم قبل الأوان. فعلى الرغم من حملة التضليل التي تقودها روسيا، فإن سوريا في الحقيقة ليست آمنة بعد، ومن السابق لأوانه مناقشة عودتهم لأن الوضع لايزال غير مستقر. وبحسب فيليبو غراندي، المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تعاني البنية التحية السورية من أوضاع حرجة تجعلها بالكاد قادرة على تحمل الأفراد الذين لم يغادروا سوريا، ناهيك عن مدنيين عادوا مؤخراً.
  
الخوف من بطش الأسد
ويلفت الباحث إلى تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية في عام 2017 يشير إلى أن نصف المستشفيات والعيادات ومراكز الرعاية الصحية في سوريا، إما أنها تعمل جزئياً أو لا تعمل على الإطلاق، كما أكد برنامج الغذاء العالمي في أغسطس (آب) الماضي أن 6,5 ملايين شخص في سوريا لم يتمكنوا من تلبية حاجاتهم الغذائية وأن 4 ملايين آخرين كانوا معرضين للخطر.

وعلاوة على ذلك، خلصت دراسة مشتركة أجراها مجلس اللاجئين النرويجي وهيئة إنقاذ الطفولة ولجنة الإنقاذ الدولية أنه في مقابل عودة كل لاجئ إلى دياره خلال عام 2017 فإن ثلاثة آخرين قد نزحوا حديثاً.

ويعتبر المقال أن استمرار نزوح الآلاف السوريين وكذلك الافتقار إلى الموارد الأساسية وانهيار البنية التحتية للبلاد، كلها أمور بالكاد تبدو مثالية لعودة جماعية للاجئين السوريين، فضلاً عن الخوف المشروع المنتشر بين السوريين من الانتقام السياسي لنظام الأسد في حال عودتهم إلى بلادهم، لاسيما في ظل تعرض السوريين الذين عادوا إلى سوريا إلى التجنيد الإجباري والسجن التعسفي من قبل نظام الأسد.

مصادرة الممتلكات
ويلفت الباحث إلى استخدام نظام الأسد بشكل متعمد للتهجير الجماعي للسكان باعتباره فرصة لإعادة هندسة التركيبة السكانية للبلاد، ويسمح القانون الرقم 10 (الصادر عن نظام الأسد) للحكومة بالاستيلاء على أرض أي فرد غير قادر على إثبات الملكية أو أي مجالس محلية للأراضي التي تعتبر ضرورية لإعادة التطوير. وبحسب مجلس اللاجئين النرويجي فإن 17% فقط من اللاجئين السوريين لديهم وثائق تثبت ملكية ممتلكاتهم في سوريا، ومن ثم فإن نظام الأسد يستخدم هذا القانون لمعاقبة خصومه السياسيين ومصادرة ممتلكاتهم، وللأسف لن يجد الكثير من الأشخاص الذين شردتهم الحرب ممتلكاتهم التي تركوها وراءهم.

ويحض الباحث الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين على مواصلة رفض الضغوط الروسية والإقليمية لإعادة المدنيين السوريين إلا عندما تسمح الظروف على الأرض بعودتهم الآمنة والطوعية، وبخاصة لأن روسيا غير قادرة على تمويل إعادة الإعمار في سوريا وتحتاج بالفعل إلى المساعدات الأمريكية والأوروبية.

ويرى مقال المجلة الأمريكية أن روسيا تستخدم الإرهاق العالمي من أزمة اللاجئين باعتباره ورقة ضغط للتطبيع مع نظام الأسد والافلات من دفع كلفة الصراع الذي ساعدت على تأجيجه. ولذلك يتعين على الولايات المتحدة استغلال التعطش الروسي لتمويل إعادة الإعمار كوسيلة للضغط من أجل عملية سياسية بقيادة الأمم المتحدة لإنهاء النزاع. وعلى الولايات المتحدة ألا تدعم إعادة إعمار سوريا إلا بعد التوصل إلى حل سياسي وتحقيق الانتقال السياسي الذي يضمن حقوق وممتلكات العائدين.

الأسد شريك غير موثوق
ويرى البعض أن رفض الولايات المتحدة وأوروبا المساهمة في إعادة إعمار سوريا يقود إلى إطالة أمد الأزمة الإنسانية، ولكن الباحث يرى أن الأسد أثبت فعلاً أنه شريك غير موثوق في توزيع المساعدات الإنسانية الدولية الحالية، ويعمد الأسد إلى استخدام استثمارات إعادة الإعمار لمكافأة الموالين له ويتلاعب بالمساعدات الإنسانية التي تقدمها الأمم المتحدة لدعم نظامه على حساب البلاد بشكل عام.

ويخلص إلى أن السياسات الاستبدادية ذاتها التي دفعت الشعب السوري إلى الثورة على نظام الأسد لاتزال قائمة، والأدهى أنه يجب على السوريين أيضاً التعامل مع استيلاء نظام الأسد على ممتلكاتهم. ويحض الباحث الولايات المتحدة على الاستمرار في رفض المساهمة في تمويل إعادة الإعمار والضغط من أجل تحقيق الانتقال السياسي الذي يضمن حقوق وممتلكات العائدين الذين أرغمهم الصراع على الفرار من بلادهم.