مجند من الباسيج يحمل العلم الإيراني.(أرشيف)
مجند من الباسيج يحمل العلم الإيراني.(أرشيف)
الجمعة 2 نوفمبر 2018 / 13:39

هكذا تهدر الميليشيات ثروات إيران الضخمة

24 – مروة هاشم

لفتت إيميلي بورشفيلد، الباحثة في مركز رفيق الحريري التابع لمجلس الأطلسي في الشرق الأوسط، إلى أن إيران تعتمد على الميليشيات الأجنبية والشباب الشيعة للقتال في الحرب التي تخوضها في سوريا، حيث تعمد إلى استنساخ نموذج "حزب الله" في العراق وسوريا بعد النجاح الكبير الذي حققه في لبنان.

لا يعاني الحرس الثوري الإيراني ومؤسسة الباسيج من الضغط الاقتصادي الذي تتعرض إليه إيران بسبب التمويل الخارجي

وتشير الباحثة، في مقال بمجلة "ناشونال إنترست" الأمريكية، إلى الضغوط المضاعفة التي تمارسها إدارة ترامب ضد إيران بسبب الدور الذي تلعبه لزعزعة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، حيث أعلنت الولايات المتحدة مؤخراً أنّها باقية في سوريا طالما بقيت إيران ووكلاؤها، وهو ما يعد تحولاً جذرياً في السياسة الأمريكية إزاء سوريا.

عقوبات أكثر صرامة
وعلاوة على ذلك، فقد اتخذت الإدارة الأمريكية خطوات تصعيدية لزيادة الضغوط الاقتصادية ضد إيران من خلال إعادة فرض العقوبات الاقتصادية وإنهاء معاهدة 1955 مع إيران التي تتعلق باستثناء فرض عقوبات على بعض المنتجات الإنسانية، كما حذرت إدارة ترامب من فرض عقوبات أكثر صرامة.
  
ويشير مقال المجلة الأمريكية أن إدارة ترامب فرضت فعلاً سبع عشرة جولة من العقوبات المتعلقة بإيران، استهدفت 147 من الأفراد والكيانات المرتبطة بإيران، وذلك لإجبارها على التخلي عن أنشطتها الإقليمية.

وفي 16 أكتوبر(تشرين الأول) الماضي، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على شبكة "بونياد تافون باسيج" (المعروفة باسم مؤسسة الباسيج التعاونية) وهي شبكة مالية (تُقدر بمليارات الدولارات) تقوم بدعم وتمويل قوات الباسيج الإيرانية، وهي جماعة عسكرية تقوم بتجنيد الأطفال وتدريبهم لصالح الحرس الثوري الإيراني لدعم جهوده في إنقاذ نظام الأسد والأنشطة الإيرانية الخبيثة الأخرى في المنطقة.

مؤسسة الباسيج
وأوضحت وزارة الخزانة الأمريكية أن مؤسسة الباسيج تعمد إلى توظيف شركات أخرى من أجل إخفاء هويتها. وتسيطر هذه المؤسسة على مجموعة من المصالح التجارية تقدر بمليارات الدولارات في صناعات السيارات والتعدين والمعادن والمصارف الإيرانية ولدى العديد من فروعها تعاملات دولية مهمة في الشرق الأوسط وأوروبا. ولا يعاني الحرس الثوري الإيراني ومؤسسة الباسيج من الضغط الاقتصادي الذي تتعرض إليه إيران بسبب التمويل الخارجي من شبكات الوسطاء المتحالفين مع إيران فضلاً عن الميزانيات المخصصة على المستوى الوطني (تم الإعلان عن مخصصات مالية بمبلغ 7,65 مليار دولار للسنة المالية الإيرانية 2017).

ويذكر المقال أن الحرس الثوري الإيراني ومؤسسة الباسيج يجمعان الأموال من خلال مؤسسات مالية بدون فوائد مثل مصرف "مهر اقتصاد" ومصرف "الشعب/ميلت" (استهدفتهما العقوبات الأمريكية الجديدة)؛ إذ يدفع هذان المصرفان ما يعادل مئات الملايين من الدولارات سنوياً لمؤسسة الباسيج في شكل أرباح وقروض وخطوط ائتمان من أجل توفير الرعاية والاسكان والدعم لأفراد قوات الباسيج. وعلاوة على ذلك، استخدمت مؤسسة الباسيج أموالها لشراء الشركات من خلال شركة مهر اقتصاد للاستثمار الإيراني، التي تمثل شريان الحياة بين قوات الباسيج والصناعات الإيرانية الأكثر ربحية.

إهدار الثروة الإيرانية
وتشدد الباحثة على أن الثروة الإيرانية الهائلة يتم صرفها بعيداً عن الشعب الإيراني، إذ يتم إهدارها على طموحات إيران الإقليمية وانتهاكات حقوق الإنسان وزعزعة الاستقرار في سوريا، وهذا بالطبع يتعارض مع مصالح الولايات المتحدة في المنطقة. ومن ثم فإن قرار إدارة ترامب بفرض عقوبات ضد مؤسسة الباسيج يشكل خطوة محورية في حملة الضغط الاقتصادي التي تقودها الولايات المتحدة ضد إيران.

ويلفت المقال إلى أن قوات الباسيج هي منظمة شبه عسكرية تطوعية تعمل تحت إشراف الحرس الثوري الإيراني وهي أيضاً إحدى عناصر الأمن الداخلي الرئيسية للنظام الإيراني، وقوة مساعدة للقوات البرية في سوريا لفيلق القدس (التابع للحرس الثوري الإيراني والمسؤول عن العمليات العسكرية الإيرانية خارج الحدود الإقليمية). ومنذ أوائل 2015، تقوم قوات الباسيج بتجنيد المقاتلين داخل إيران وتدريبهم قبل إرسالهم إلى سوريا، ويتطوع البعض منهم بدوافع دينية للدفاع عن الأضرحة الشيعية المقدسة، أما البعض الآخر فلديهم دوافع أخرى وهي الحصول على الامتيازات مثل الوظائف الحكومية حيث يعاني قرابة ثلث الشباب الإيراني من البطالة.

تجنيد الأفغان والباكستانيين
وتختلف التقديرات حول أعداد قوات الباسيج المتطوعة للقتال في سوريا، ففي 2015 أفاد الخبراء أن سبعة آلاف عضو من الحرس الثوري الإيراني ومتطوعين من الباسيج كانوا يقاتلون بالفعل في سوريا، ويرى المحللون أن مشاركتهم تتزايد في الصراعات، وكشف مسؤول في الباسيج عن مقتل خمسين متطوعاً من الطلاب الإيرانيين في الصراع السوري بين شهري نوفمبر(تشرين الثاني) وديسمبر(كانون الأول) 2016.

وتشير الباحثة إلى أنه بالإضافة إلى المواطنين الإيرانيين، يقوم الباسيج أيضاً بتجنيد المهاجرين الأفغان بمن فيهم أطفال لا تتجاوز أعمارهم الرابعة عشر، للانضمام إلى لواء "فاطميون" تحت إشراف الحرس الثوري الإيراني. وبحسب مصادر إخبارية إيرانية، يتراوح عدد الأفغان الذين يقاتلون من أجل نظام الأسد بين عشرة وعشرين ألفاً، وتشجعهم على ذلك الوعود الإيرانية بالحصول على الإقامة القانونية. وفي الوقت نفسه يقوم الباسيج بتجنيد مواطنين باكستانيين للانضمام إلى لواء "زينبيون" الذي يضم شيعة باكستانيين يقاتلون تحت إشراف فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.
  
استنساخ حزب الله
ويوضح المقال أن إيران تستخدم ميليشيات مثل حزب الله و"الباسيج" لإظهار قوتها ونفوذها في المنطقة، كما توفر لها هذه الآلية خياراً اقتصادياً لمشاركة المعلومات الاستخباراتية والمساعدة في عمليات مكافحة التجسس والإرهاب والردع وتطوير الدعم الشعبي، والأهم من ذلك أنها تحميها من التدخل المضاد لقوة كبرى مثل الولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه تبدو مواجهة الميليشيات صعبة بالنسبة للولايات المتحدة من الناحية العسكرية حيث عادة ما تلجأ الميليشيات إلى الحرب غير التقليدية للتوازن مع قصور قدراتها العسكرية، وكذلك من الناحية الاقتصادية بسبب اعتماد الميليشيات على شبكات تمويل خفية.

ويخلص المقال إلى أن إيران تعمد إلى استنساخ نموذج حزب الله (بعد نجاحه في لبنان) في العراق وسويا لترسيخ فيلق القدس الإيراني وقوات الباسيج وضم ميليشيات محلية إلى قواته، من خلال توفير الخدمات الأمنية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية من أجل خلق تسامح مع أنشطتها.

ويحض المقال الولايات المتحدة على مواجهة التهديد الذي تشكله الميليشيات الإيرانية على الاستقرار في المنطقة والمصالح الأمنية الأمريكية، ولكن إيران استغرقت عشرات السنين في بناء هذه القوات، وعلى الولايات المتحدة انتهاج استراتيجية أكثر شمولاً لمواجهة الأنشطة الإقليمية المزعزعة للاستقرار في المنطقة، مع الاستمرار في كشف الجهات الفاعلة التي تقوم بتمويل هذه الأنشطة وفرض العقوبات الاقتصادية ضدها.