السفير القطري محمد العمادي في غزة (أرشيف)
السفير القطري محمد العمادي في غزة (أرشيف)
الأحد 4 نوفمبر 2018 / 20:22

ماذا يعرف الإسرائيليون عن الجهد العاجل..!

آخر الأخبار ما نقله التلفزيون الرسمي القطري يوم أمس السبت، عن توجه "عاجل" بشأن غزة تمثل في إرسال قرابة أربعة ملايين دولار على هيئة مساعدة عاجلة، وأن مجلس الوزراء الإسرائيلي يناقش اليوم الأحد، آلية إدخال الأموال القطرية إلى غزة.

يعرف الإسرائيليون أن هذه المساعدات القطرية تصب في مصلحتهم، أيضاً، بقدر ما تعزز الانقسام الجغرافي والسياسي، وتفصل الضفة عن غزة، وتكرّس سلطة حماس

وإذا كان ثمة من ضرورة للتعليق على أمر كهذا فلن يتجاوز كل تعليق مُحتمل ما سبق وقيل، في صيغ مختلفة، ما لا يحصى من المرات على مدار ما يتجاوز عقد من الزمان، منذ نجاح حماس في الاستيلاء على غزة بالقوّة المسلحة، وطرد السلطة الفلسطينية من القطاع في 2007.

وبهذا المعنى، وفي سياق كهذا، فإن ثمة ما يشبه السر المفضوح، في ما يشبه لعبة الكراسي الموسيقية، التي تشارك فيها أطراف إقليمية ودولية مختلفة، ولا يخفي أحد منها حقيقة دوافعه عن الآخر، إلى حد أن لغة ومفردات السياسة، التي أنجبها هذا الواقع أصبحت مُستهلكة إلى حد بعيد.

فقطر مثلاً، وكما نقلت وكالة رويترز الإخبارية في فبراير(شباط) الماضي، عن ممثلها الدائم في غزة: "تساعد إسرائيل على تجنب حرب أخرى بتحويل أموال المساعدات للفلسطينيين الفقراء"، وهذا الجهد "يحظى بمباركة واشنطن"، وفي هذا دليل على "نأي" الدوحة بنفسها عن حماس، أو كما يقول: "إذا كنا نساعد حماس فهل تعتقد أن الإسرائيليين سيسمحون لنا بالدخول والخروج؟ هذا مستحيل. هم يعلمون أننا لا نساعد حماس".

في هذا الكلام الكثير من التضليل بالتأكيد، وينطوي على روح رياضية عالية في التعامل مع الحقيقة.

وهذا ما لن يجد أحد صعوبة خاصة في التدليل عليه. فقد اختار الحكام القطريون التحالف مع جماعات الإخوان المسلمين، والإسلام السياسي، منذ عقود أصبحت طويلة الآن، وقد راهنوا على هؤلاء ليكونوا روافع وأدوات ارتكاز نفوذ إقليمي ودولي مأمول.

و"تصادف" أن هذا الرهان لم يكن مجافياً لتوجهات واشنطن بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، إلى حد يبرر الكلام عن طموح لممارسة دور الوكيل المحلي لاستراتيجية تبنتها القوة الأمريكية على مدار العقدين الماضيين.

وعلى خلفية كهذه يمكن فهم، وتفسير، علاقة القطريين بحماس، وهي الفرع الفلسطيني لجماعة الإخوان المسلمين.

واكتسبت هذه العلاقة أهمية خاصة نتيجة ما للمسألة الفلسطينية من مكانة رمزية، وثقل سياسي، في العالمين العربي والإسلامي. وبدا، للوهلة الأولى، في موجة الربيع العربي، وكأن الرهان القطري على الإخوان كان صائباً إلى حد بعيد. فنقطة الارتكاز الإخوانية في غزة، تعززت بصعود الحركة الأم إلى سدة الحكم في القاهرة. وهذا ما كانت له أبعاد سياسية، واستراتيجية، بعيدة المدى على مستقبل الإسلام السياسي، وموازين القوى في الشرق الأوسط.

ولكن هذا الرهان سقط بطريقة مدوية مع إسقاط حكم الإخوان في القاهرة. ويُمكن القول إن تلك اللحظة كانت البداية الفعلية لمأزق وورطة حماس في غزة، التي فقدت بعد سقوط الإخوان في القاهرة عمقها الاستراتيجي، ووجدت نفسها ملزمة بالتفاوض بالنيران مع الإسرائيليين، ومقاومة الضغوط الداخلية لإنهاء الانقسام، وتلبية الحاجات الاقتصادية والاجتماعية لمليوني مواطن في غزة، اعتماداً على موارد مالية محدودة، وصعوبات حقيقية في الحصول على مساعدات مالية من الخارج.

لذلك، يعرف الإسرائيليون، وخلافاً لما يقوله، المندوب القطري، أن قطر تُساعد حماس، وأنها تفعل ذلك تسديداً لضريبة التحالف مع الإخوان المسلمين، لا "شفقةً" على الفقراء في غزة. 

كما يعرف الإسرائيليون أن هذه المساعدات القطرية تصب في مصلحتهم أيضاً، بقدر ما تعزز الانقسام الجغرافي والسياسي، وتفصل الضفة عن غزة، وتكرس سلطة حماس، وتُجهض مشروع أو احتمال دولة تضم الضفة وغزة.

ويعرف الإسرائيليون أن الأموال القطرية أصبحت جزءاً من شروط التفاوض مع حماس. وهم يعرفون أشياء كثيرة، بالتأكيد، بما فيها أن الجهد القطري "العاجل" يشبع رغبة من رغباتهم، ويُسهم في تحقيق هدف من أهدافهم.

ولا بأس من هذا القدر أو ذاك من التضليل إذا كان لغوياً وبلاغياً، أما على الأرض فاللعب لا يُمكن أن يكون إلا على المكشوف.