مدنيون يعانون ويلات الحرب الوحشية في سوريا (أرشيف)
مدنيون يعانون ويلات الحرب الوحشية في سوريا (أرشيف)
الإثنين 5 نوفمبر 2018 / 19:23

في سوريا.. الشر يأكل بعضه

في المناطق السورية التي لا تخضع لسلطة النظام حتى الآن تندلع المواجهات بين الميلشيات الإرهابية التي تورطت في مشروع هدم الدولة، وتفرغت بعد هزيمتها الماحقة، لتصفية الحسابات البينية، بالنيابة عن أولياء نعمتها خارج الحدود.

المواجهة القادمة بين داعش وبقايا القاعدة ستكون أكثر حدة ودموية لأنها ستكون مدفوعة برغبة كل منهما في إفناء الآخر احتكاماً للفتاوى التكفيرية التي يتبناها الظلاميون القادمون من كل بقاع الأرض

على الأرض حقق النظام، بإسناد روسي واضح، انتصاراً عسكرياً لم يكن ممكناً توقعه عندما كانت المعارضة المسلحة تسيطر على أكثر من ثلثي الأرض السورية، لكن هذا الانتصار لا يعني إطلاقاً نهاية المعارضة، وتلاشي التشكيلات الظلامية الإرهابية المختلفة التي تتعدد أسماؤها وتظل تعمل تحت راية داعش، والقاعدة، ويبدو أن هناك قناعة لدى الإرهابيين العابرين للحدود بأن "المهمة لم تنته بعد"، لذا فإنهم يواصلون تأكيد حضورهم بمجزرة هنا وأخرى هناك، ويواصلون المناورة السياسية مستفيدين من التباين في الرؤى بين أطراف المعادلة، ومن تضارب المصالح بين روسيا، والولايات المتحدة، وتركيا تحديداً، وكذلك يفعل الأكراد الذين وجدوا أنفسهم فجأةً بلا أي غطاء، وصاروا مكشوفين تماماً لعدوهم التركي بعد خسارتهم للرعاية والحماية الأمريكية المباشرة.

لقد هزم الأصوليون وكذلك الأكراد وتشكيلات محلية أقل تطرفاً في عدائها للنظام، لكن الحرب لم تنته، بل تغيرت أهدافها، وانتقلت من محاولة إسقاط النظام والدولة أيضاً إلى محاولة إقصاء الخصوم الذين كانوا ذات يوم شركاء في هذه الحرب التي توجت النسخة السورية من "الربيع العربي".

تغيرت الأهداف والدروب، ومن كانوا في الأمس القريب حلفاء ورفاق سلاح، تحولوا اليوم إلى أعداء لا يمكن حسم المواجهة بينهم إلا بالدم... فانقض الأصوليون على الأكراد، واندلعت حروب التموضعات ومحاولات السيطرة بقوة السلاح على المآوي الضيقة التي حشرت فيها المعارضة، والتي يجري فيها اقتتال الإخوة الأعداء تحت سماء مفتوحة للطيران الروسي.

وإذا كانت المواجهة بين داعش والأكراد في بداياتها ونهاياتها تسعى إلى السيطرة على الجغرافيا والتموضع في مناطق معينة، فإن المواجهة القادمة بين داعش وبقايا القاعدة ،ستكون أكثر حدة ودموية لأنها ستكون مدفوعة برغبة كل منهما في إفناء الآخر احتكاماً للفتاوى التكفيرية التي يتبناها الظلاميون القادمون من كل بقاع الأرض إلى سوريا، مسلحين بشحنات نفسية تعلي الموت على أي قيمة أخرى.

ويبدو أن النظام يركن إلى هذه الحقيقة وينطلق منها في قبوله بمناطق آمنة توفر ملاذات مؤقتة في كل الأحوال، للمجموعات الإرهابية المهزومة في الفصل الأخير من الحرب.

وإذا كان الاقتتال والتناحر بين المجموعات المعارضة للنظام السوري مريحاً لدمشق ومرضياً لحلفائها، فإنه يزيد القهر والإحباط في نفوس من تحمسوا للربيع السوري، وراهنوا على سوريا جديدة بثوب قديم.

سقط الرهان عملياً على الأرض، واندحرت القوى الظلامية، واستطاعت الدولة السورية أن تصمد رغم فداحة خسائرها ورغم سقوط أكثر من ثلاثمائة وستين ألف ضحية في الحملات الهوجاء التي تواجه فيها الطرفان في مناطق المدنيين والأحياء السكنية المكتظة بالأبرياء.

وخابت رهانات قوى إقليمية ودولية على هدم الدولة وتقسيم سوريا، وتراجع شعارها من إسقاط النظام إلى الخروج الآمن للمقاتلين، وانشغلت في محاولة تحديد مصير إدلب بعد أن فشلت في تغيير مصير سوريا.

وإذا كانت بقايا المجموعات الإرهابية قادرةً حتى الآن على البقاء في مناطق الحشر الصغيرة في الأرض السورية، فإنها لن تستطيع البقاء فيها كثيرا، وقد أصبح الحسم النهائي مسألة وقت، وأصبح البحث عن الخروج مهمة أولى لهذه المجموعات ورعاتها.

أين سيذهب من تبقى من الدواعش والقاعديين بعد سوريا؟

لا أحد يستطيع الإجابة الآن لكن المؤكد أن نقطة التوقف القادمة ستكون في مناطق يرغب الأمريكيون في إشعالها.