الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أرشيف)
الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أرشيف)
الثلاثاء 6 نوفمبر 2018 / 20:04

أطلال المشهد الفلسطيني

يظهر ارتداد القوى السياسية الفلسطينية إلى الأطلال سواءً بالبكاء عليها أو التماهي معها، الشروخ والترهلات التي أصابت ذهنية اعتادت الاصطدام بجدران متاهتها على مدى عقود من المغامرات.

هشاشة العلاقات الداخلية والبرامج والنظرة للمحيط الإقليمي بعض تفاصيل أطلال المشهد السياسي الفلسطيني التي تشمل ايضاً قوى سياسية انتقلت بعد هزائمها ومراهقاتها من مواجهة المشروع الإسرائيلي إلى التكيف مع شروطه وإملاءاته

في نقدها لظروف انعقاد المجلس المركزي لم تتوقف الفصائل الفلسطينية المقاطعة عند عنوانه "الدفاع عن الثوابت الوطنية" رغم إلحاح الحاجة على التدقيق فيه لأسباب لا تبدأ من هلامية العبارة التي دخلت إلى القاموس السياسي الفلسطيني منذ عقود لتجميع قوى متنافرة وما زال اجترارها ممكناً، ولا تنتهي مع تحولات الأداء ومتغيرات تصورات سيناريوهات الحل المختبئة وراء اللغة الخشبية.

خطاب ما كان يعرف باليسار الفلسطيني مُثقل بمؤشرات أزمة التفكير والتدبير حيث حفلت بيانات "الشعبية" و"الديمقراطية" بمصطلحات من قبيل التفرد، والاستحواذ، والتهرب، وعبارات مثل تعطيل القرارات المتفق عليها وهي تعبيرات أحفورية استهلكتها الأحداث تنتمي إلى أرشيفات سبعينيات القرن الماضي ما ينزع عن دلالاتها قدرة الإدهاش المفترض أن يصاحب الإتيان بما هو جديد.

باستخدامها تعابير كانت مستخدمة في مرحلة ما قبل السلطة تسقط المعارضة اليسارية من اعتباراتها التغيرات التي طرأت على ما كانت تصفه بطبقة الكمبرادور التي صارت أكثر رسوخاً وتبلوراً مع امتلاكها سيطرة شكلية على الأرض أحدثت متغيرات في موازين القوى الداخلية.

وبذلك يغيب عن قراءات اليسار الفلسطيني المصر على تجاهل مراجعة تجربته رغم خيباته المتلاحقة أن ما كان يعرف بالعمود الفقري لمنظمة التحرير بات حزباً للسلطة، ولم يبق من صلاته بالمقاومة سوى خطاب سياسي كسيح لا يسمن ولا يغني من جوع ما يحصر العلاقة معه في إطار النفعية التي طفت على السطح خلال مرحلة ما قبل الخروج من بيروت وتعمقت في رام الله ويملي الانتقال إلى أشكال جديدة من التبعية في مؤسسات موروثة عن نظام عربي آيل للسقوط تجري إعادة تشكيلها وتحديد أدوارها بين حين وآخر.

تأخر ظهور حركة حماس في المشهد السياسي الفلسطيني قياساً بالجبهتين يريحها من اجترار الخطابات القديمة، لكنه لا يحول دون ظهور نزعات استشراقية في خطابها المشتبك مع قيادة المنظمة والسلطة ففي رده على اجتماع المجلس المركزي طالب رئيس المجلس التشريعي المنتهية ولايته عزيز دويك بالالتزام بنصوص الدستور والمحافظة على مفاصله والمؤسسات السيادية التي ينظم عملها القانون الفلسطيني مما يظهر انشداده إلى المراحل الأولى من بناء السلطة المتآكلة وتجاهله في ذروة قلقه على حضور حركته عدداً من الحقائق التي يصعب تجاهلها مثل كرتونية السلطة الفلسطينية وعبثية معنى السيادة في ظل الاحتلال .

في تعرضه للتطبيع مع إسرائيل كان عضو مركزية حركة فتح محمد اشتية، وهو بالمناسبة مدير مركز الأبحاث الفلسطيني بصيغته الجديدة، أكثر استشراقاً من دويك فقد عاد إلى زمن ما قبل المتغيرات التي أحدثها اتفاق أوسلو، حين تجاهل في بيان أصدره بهذا الخصوص دور حزب السلطة الفلسطينية في التنسيق الأمني مع الجانب الإسرائيلي، والتستر على بيع الأراضي لإسرائيل، وكسر الحواجز بين المثقفين والكتاب والفنانين العرب، والجانب الإسرائيلي.

ليكتمل إطار "ذهنية الطلل" يتردد مصطلح "إعادة البناء" بين الحين والاخر في خطاب المكاسرة الذي تستخدمه القوى الفلسطينية، ويحاول في بعض الاحيان الاستقواء على هزاله بتوصيفات إيديولوجية كان من الممكن تغيير مجرى الأحداث لو تم التعامل مع جوهرها بشيء من الجدية في مراحل سابقة.

ولا تحول خلافات أطراف خطاب العيش بين الأطلال والبكاء عليها دون لقاء عند مفاصل الأداء حيث المراوحة والنمطية والتفكير البطيء وازدواجية المعايير الانتماء لزمن آخر بعد المياه الكثيرة التي صبت في البحيرة والريح التي غيرت ملامح المنطقة.

هشاشة العلاقات الداخلية والبرامج والنظرة للمحيط الإقليمي بعض تفاصيل أطلال المشهد السياسي الفلسطيني التي تشمل أيضاً قوىً سياسيةً انتقلت بعد هزائمها ومراهقاتها من مواجهة المشروع الإسرائيلي، إلى التكيف مع شروطه وإملاءاته تحت لافتات مختلفة، ولا يُغير من هذه الحقيقة الحرص على هامش مشاغبة يحاكي غرائز ما تبقى من جمهور المخدوعين ويبقيه في هامش المتخيل.