الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (أرشيف)
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (أرشيف)
الأربعاء 7 نوفمبر 2018 / 20:02

مستويان في قراءة الانتخابات الأمريكية

نادراً ما بدا العالم بأسره مشدوداً إلى انتخابات منتصف الولاية، في الولايات المتحدة الأمريكية، كما كان صبيحة اليوم الأربعاء. ذاك أن تلك الانتخابات قُرئت على نطاق كوني بوصفها تصويتاً على دونالد ترامب ورئاسته، وبالتالي إشارة قوية إلى مستقبلهما السياسي.

ي حالة النساء خصوصاً، أنّ التسييس النضاليّ اتّسم، أوّلاً وأخيراً، بمناهضة ترامب والجمهوريّين. وأمر كهذا لا يعود مستغرَباً حين نتذكّر أنّ التسييس هذا إنّما ولد ردّاً على الترامبيّة بذكوريّتها وبذاءتها

هذا لا يلغي أن النتائج تلك تبقى قابلة للقراءة على مستويين: المستوى السياسي المباشر والمستوى الاجتماعي والإيديولوجي الأبعد.

أما في المستوى الأول فيبدو مؤكداً أن ترامب وعهده أصيبا بنكسة معتبرة: صحيح أنها ليست ضربة قاضية بسبب نجاح حزبه، الحزب الجمهوري، في الاحتفاظ بأكثرية مجلس الشيوخ، بيد أن فوز الحزب الديمقراطي بأكثرية مجلس النواب، وللمرة الأولى منذ ثماني سنوات، قد يعرقل الكثير من المشاريع الترامبية. فالديمقراطيون، بحسب إجماع المراقبين والمعلقين، بات في وسعهم إطلاق موجة التحقيقات التي تطال نشأة الإدارة نفسها، كما تطال نشاطاتها ونشاطات أقطابها المالية، أو ذات الطابع العائلي.
 كذلك باتوا أقدر على تعطيل بعض الخطط التشريعيّة لترامب، بما في ذلك قرارات كبرى كبناء حائط مع المكسيك.

وفي الخلاصة، تراجعت كثيراً الصعوبات الدستورية الحائلة دون عزل الرئيس، فيما انفتح الباب لازدواجية وربما شلل يتجلى في أعمال التعطيل والتعطيل المضاد.

حتى داخل الحزب الجمهوري نفسه، يُرجح أن يتجرأ على الرئيس عدد ممن كانوا صامتين قبلاً، لا سيما أولئك الذين لم يساعدهم صمتهم على النجاح. مع هذا، تبقى هناك علامة استفهام كبيرة حول الحزب الديمقراطي وقيادته: فهل سيؤدي الفوز الأخير إلى تجاوز الخلافات في ما بين أجنحة الحزب، أم أنه سيعمل على ترسيخها؟

لكن المستوى الثاني، الذي يعمل على مدى زمني أبعد وأعرض، فيبدأ بالتسييس الواسع الذي أحدثته الترامبيّة في بلد لم يُعرف تاريخياً بشدة تسييسه. والحال أن هذا الواقع الجديد إنما انعكس على الارتفاع النوعي الذي طرأ على نسب التصويت، بعدما طغى الاستنكاف والعزوف طويلاً. وربما صح أن النساء كن أكثر فئات المجتمع الأمريكي التي انعكس عليها هذا التحول.

لقد لوحظ، في حالة النساء خصوصاً، أن التسييس النضالي اتسم، أولاً وأخيراً، بمناهضة ترامب والجمهوريين. وأمر كهذا لا يعود مستغرباً حين نتذكر أن التسييس هذا إنما ولد رداً على الترامبية بذكوريتها وبذاءتها. وبتقاطع الهوية الجندرية مع هوية دينية أو إثنية مغضوب عليها، اكتسبت النتيجة طبيعة درامية.

 ففي هذا السياق، انتخبت الولايات المتحدة، للمرة الأولى في تاريخها، نائبة مسلمة من أصل فلسطيني هي رشيدة طليب في ميتشيغان، ونائبة أخرى من السكان الأصليّين هي شاريس ديفيدس، والاثنتان بالطبع مرشحتان عن الحزب الديمقراطي.

وهذا فضلاً عن الفوز الساحق في نيويورك الذي حققته الديمقراطية أليكسندريا أوكاسيو كورتز، ابنة الـ 29 عاماً وأصغر امرأة تُنتخب إلى البرلمان في التاريخ الأمريكي.

لكنّ هذا بمجمله يندرج في الاستقطاب الواسع الذي تعيشه أمريكا، والذي جاءت الانتخابات الأخيرة محطة بارزة من محطاته. فهناك اليوم، كما بات واضحاً، أمريكا المدينية الجديدة، التي تحض على تكامل الأجناس والأعراق والأديان، مثلما تحض على الانفتاح على العالم، في مقابل أمريكا القديمة والريفية أو الصناعية بالمعنى الذي تجاوزته مرحلة التطور التقني الراهن. وهذه الأخيرة متمسكة بقيم تعود إلى الخمسينات.

وأغلب الظنّ أن نشهد في السنوات المقبلة احتداماً في الحرب الثقافية مثيراً بالتأكيد، احتداماً تتحول الترامبية إلى مجرد تفصيل صغير من تفاصيله الكثيرة.