الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مغادراً قاعة الصحافيين في البيت الأبيض (رويترز)
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مغادراً قاعة الصحافيين في البيت الأبيض (رويترز)
الخميس 8 نوفمبر 2018 / 20:57

أمريكا... تدريب بالأصوات الحية على الانتخابات القادمة

يبدو كما لو أنه اقتباس أمين من رواية لاتينية: صبيحة الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة، خرج الرئيس دونالد ترامب الذي فقد غالبيته في مجلس النواب، الأكثر تعبيراً عن رغبة الشعب الأمريكي، ليعلن انتصاره "العظيم". وليقدم التهنئة لحزبه، تحديداً أولئك الذي حافظوا على مواقعهم من مرشحيه، فيما اعتبر، في السياق، أن من أسباب خسارة الخاسرين، من حزبه، عدم موافقتهم على دعمه لهم.

يعرف "دونالد ترامب" أكثر من غيره، أن النصف الثاني من ولايته سيكون أكثر صعوبة، وأن المساحات التي كان يقفز فيها خلال سنتين كاملتين، وفي غياب شبه كامل للمحاسبة والرقابة، قد انتهت

في نفس الصبيحة قام نفس الرئيس بمزاولة هوايته بإقالة مسؤول من إدارته، كان هذه الصبيحة وزير العدل وعين بديلاً مؤقتاً له، وتعارك أمام كاميرات العالم مع مراسل قناة "سي أن أن" مطلقاً عليه صفة "عدو الناس".

يعرف دونالد ترامب أكثر من غيره، أن النصف الثاني من ولايته سيكون أكثر صعوبة، وأن المساحات التي كان يقفز فيها خلال سنتين كاملتين، وفي غياب شبه كامل للمحاسبة والرقابة، قد انتهت. وأن عليه أن يقتصد كثيراً، من الآن وحتى نهاية الولاية، في الوعود والأخطاء، وزلات اللسان والقدم التي صاحبت تجوله في أروقة البيت الأبيض أين تحطم الكثير من الزجاج.

حتى تلك السلالم التي أسندها إلى الجدار في السنة الأولى واتكأ عليها في السنة الثانية، تبدو الآن هشةً وقابلة للانهيار، وهذا يشمل "كيم"، "رجل الصواريخ" في كوريا الشمالية، الذي بدا لوهلة طفلاً مطيعاً يتمتع بشيء من البدانة والطيبة والمبادرة، بدأ أخيراً يفقد تلك الصفات التي ميزت صوره الحالمة في ماليزيا.

محمود عباس، الرجل الذي بدا مهادناً ومتفهماً ومصغياً لفترة طويلة، قبل أن يتحول إلى عثرة لا يمكن تجاوزها، وها هو يعقد اجتماعات لا نهاية لها في "المقاطعة" في رام الله، ويواصل من هناك رفضه لـ"صفقة القرن"، وهو عباس لا يبدو على الاطلاق أنه مستعد أو راغب في تقديم أي فكرة تساعد في تمرير "الصفقة" التي شقي في إعدادها صهره كوشنر.

لن يكون من السهل الآن بناء جدار يحجب المكسيك ويقف في طريق "الغزو" الذي يزحف من الجنوب، ولن تكون سهلة أيضا إقالة مولر الذي يواصل الحفر وتكديس الوثائق والشهود، أو تفكيك نظام "التأمين الصحي" الذي يحمل اسم سلفه.

وعليه أن يواجه ولمدة سنتين كاملتين، على الأقل، 100 امرأة في مقاعد مجلس النواب، بينهن ثلاث عربيات، لا يُعرف كيف وصلن إلى تلك القاعة، من لبنان، وفلسطين، وواحدة محجبة جاءت من الصومال.

بعيداً عن النتائج المباشرة والأرقام وحسبة المقاعد بين الحزبين وأفكار ترامب عن "الانتصار"، فقد قدمت الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة نموذجاً أولياً عما ستكون عليه الانتخابات الرئاسية القادمة، والقوى المؤثرة التي ستتحكم في نتائجها، والشرائح التي ستصل إلى صناديق الاقتراع.

لقد بدا الأمر خلال الأسابيع الماضية أشبه بمناورة متعددة الأطراف شاركت فيها شرائح واسعة اتسمت بالحماس، بعضها يدخل للمرة الأولى في غبار التدريب، فقد مست سياسات إدارة ترامب، وخطابه العنصري تلك الزوايا التي بدت مأمونةً وبعيدة عن متناول الخوف، تحديداً "هوية" البلاد نفسها التي تشكلت حول التعددية والانفتاح.

الاطمئنان النسبي الذي وفره انتعاش الاقتصاد، وانخفاض معدلات البطالة، تبدد أمام كثافة التصويت، وطوابير "الملونين" الذين لم يتمتعوا ببشرة بيضاء، وأصول بيضاء، وأبناء الطبقة الوسطى الذين تصاعدت ضرائبهم، كذلك أمام النساء والشباب الذين تعنيهم أمريكا المتعددة الأعراق، أشخاص غادروا بيوتهم نحو صناديق الاقتراع للمرة الأولى، وهم يصدقون أن لهم قدرة على التغيير.

الشباب والنساء والأقليات، تلك هي القوى التي اختبرت قدرتها في الانتخابات النصفية، القوة التي ستستخدمها بعد سنتين من الآن.

لقد أحضر دونالد ترامب إلى البيت الأبيض إضافةً لعائلته، أسوأ ما في أمريكا، ولكنه أيقظ، دون قصد، أفضل ما فيها.

يقول الرجل العربي الستيني في ديترويت لمراسل الفضائية، وهو يشير لطوابير المقترعين: "لقد ساهم ترامب بقوة في إجبار هؤلاء للدفاع عن أنفسهم. هذه هي المرة الأولى التي تتوحد فيها الجالية وتنخرط شرائحها في عمل موحد، لن نكرر خطأ انتخابات 2016، التي جاءت بهذه الادارة".